Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 189-191)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ } فهو يملك أمرهم . وهو على كل شيء قدير ، فهو يقدر على عقابهم { لآيات } لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته وباهر حكمته { لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ } للذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار . ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطر . وفي النصائح الصغار املأ عينيك من زينة هذه الكواكب ، وأجلهما في جملة هذه العجائب ، متفكراً في قدرة مقدّرها ، متدبراً حكمة مدبرها ، قيل أن يسافر بك القدر ، ويحال بينك وبين النظر . وعن ابن عمر رضي الله عنهما 236 قلت لعائشة رضي الله عنها أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت وأطالت ، ثم قالت كل أمره عجب ، أتاني في ليلتي فدخل في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ، ثم قال يا عائشة ، هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي ؟ فقلت يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك ، قد أذنت لك . فقام إلى قربة من ماء في البيت . فتوضأ ولم يكثر من صب الماء ، ثم قام يصلي ، فقرأ من القرآن فجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه ، ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي ، ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض ، فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له يا رسول الله ، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال يا بلال أفلا أكون عبداً شكوراً . ثم قال وما لي لا أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ } ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وروي 237 « ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمّلها » وعن علي رضي الله عنه 238 " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } " وحكي أنّ الرجل من بني إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة ، فعبدها فتى من فتيانهم فلم تظله ، فقالت له أمّه لعلّ فرطة فرطت منك في مدّتك ؟ فقال ما أذكر . قالت لعلك نظرت مرّة إلى السماء ولم تعتبر ؟ قال لعلّ . قالت فما أُتيت إلا من ذاك { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ } ذكراً دائباً على أي حال كانوا ، من قيام وقعود واضطجاع لا يخلون بالذكر في أغلب أحوالهم . وعن ابن عمر وعروة بن الزبير وجماعة أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله ، فقال بعضهم أما قال الله تعالى { يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً } فقاموا يذكرون الله على أقدامهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 239 " من أحبّ أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله " وقيل معناه يصلون في هذه الأحوال على حسب استطاعتهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين 240 " صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب ، تومىء إيماء " وهذه حجة للشافعي رحمه الله في إضجاع المريض على جنبه كما في اللحد . وعند أبي حنيفة رحمه الله أنه يستلقي حتى إذا وجد خفة قعد . ومحل { عَلَىٰ جُنُوبُهُمْ } نصب على الحال عطفاً على ما قبله ، كأنه قيل قياماً وقعوداً ومضطجعين { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ } وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها بما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه . وعن سفيان الثوري أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء ، فلما رأى الكواكب غشي عليه ، وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته . وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم 241 " بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال أشهد أنّ لك رباً وخالقاً ، اللهمّ اغفر لي ، فنظر الله إليه فغفر له " وقال النبي صلى الله عليه وسلم 242 " لا عبادة كالتفكر " وقيل الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشبية كما يحدث الماء للزرع النبات . وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم 243 " لا تفضلوني عل يونس بن متى فإنه كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض " قالوا وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب ، لأن أحداً لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض { مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً } على إرادة القول . أي يقولون ذلك وهو في محل الحال ، بمعنى يتفكرون قائلين . والمعنى ما خلقته خلقاً باطلاً بغير حكمة ، بل خلقته لداعي حكمة عظيمة ، وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك ولذلك وصل به قوله { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } لأنه جزاء من عصى ولم يطع . فإن قلت هذا إشارة إلى ماذا ؟ قلت إلى الخلق على أن المراد به المخلوق ، كأنه قيل ويتفكرون في مخلوق السموات والأرض ، أي فيما خلق منها . ويجوز أن يكون إشارة إلى السموات والأرض لأنها في معنى المخلوق . كأنه قيل ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلاً . وفي هذا ضرب من التعظيم كقوله { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } الإسراء 90 ويجوز أن يكون باطلاً حالاً من هذا . وسبحانك اعتراض للتنزيه من العبث ، وأن يخلق شيئاً بغير حكمة .