Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 50-51)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُجُورَهُنَّ } مهورهنّ لأنّ المهر أجر على البضع . وإيتاؤها إما إعطاؤها عاجلاً . وإما فرضها وتسميتها في العقد . فإن قلت لم قال { ٱلَّٰتي ءَاتيْتَ أُجُورَهنَّ } و { مِمَّا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَيْكَ } و { ٱلَّٰتي هَاجَرْنَ مَعَكَ } وما فائدة هذه التخصيصات ؟ قلت قد اختار الله لرسوله الأفضل الأولى ، واستحبه بالأطيب الأزكى ، كما اختصه بغيرها من الخصائص ، وآثره بما سواها من الأثر ، وذلك أن تسمية المهر في العقد أولى وأفضل من ترك التسمية ، وإن وقع العقد جائزاً وله أن يماسها وعليه مهر المثل إن دخل بها ، والمتعة إن لم يدخل بها . وسوق المهر إليها عاجلاً أفضل من أن يسميه ويؤجله ، وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم ، وما لا يعرف بينهم غيره . وكذلك الجارية إذا كانت سبية مالكها ، وخطبة سيفه ورمحه ، ومما غنمه الله من دار الحرب أحلّ وأطيب مما يشتري من شقّ الجلب . والسبي على ضربين سبي طيبة ، وسبي خبيثة فسبي الطيبة ما سبي من أهل الحرب . وأما من كان له عهد فالمسبي منهم سبي خبيثة ، ويدلّ عليه قوله تعالى { مِمَّا أَفَاء ٱللَّهُ عَلَيْكَ } لأن فيء الله لا يطلق إلاّ على الطيب دون الخبيث ، كما أنّ رزق الله يجب إطلاقه على الحلال دون الحرام ، وكذلك اللاتي هاجرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرائبه غير المحارم أفضل من غير المهاجرات معه . 897 وعن أم هانيء ، بنت أبي طالب خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ، ثم أنزل الله هذه الآية ، فلم أحلّ له لأني لم أهاجر معه ، كنت من الطلقاء . وأحللنا لك من وقع لها أن تهب لك نفسها ولا تطلب مهراً من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ، ولذلك نكرها . واختلف في اتفاق ذلك ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد منهنّ بالهبة . وقيل الموهوبات أربع ميمونة بنت الحرث ، وزينب بنت خزيمة أمّ المساكين الأنصارية ، وأمّ شريك بنت جابر ، وخولة بنت حكيم - رضي الله عنهنّ . قرىء { إِن وَهَبَتْ } على الشرط . وقرأ الحسن رضي الله عنه { أن } بالفتح ، على التعليل بتقدير حذف اللام . ويجوز أن يكون مصدراً محذوفاً معه الزمان ، كقولك اجلس ما دام زيد جالساً ، بمعنى دوامه جالساً ، ووقت هبتها نفسها . وقرأ ابن مسعود بغير أن . فإن قلت ما معنى الشرط الثاني مع الأوّل ؟ قلت هو تقييد له شرط في الإحلال هبتها نفسها ، وفي الهبة إرادة استنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنه قال أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها لأنّ إرادته هي قبول الهبة وما به تتمّ . فإن قلت لم عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله تعالى { نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِىُّ } ثم رجع إلى الخطاب ؟ قلت للإيذان بأنه مما خصّ به وأوثر ، ومجيئه على لفظ النبي للدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوّة ، وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوّته ، واستنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه ، وقد استشهد به أبو حنيفة على جواز عقد النكاح بلفظ الهبة لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّته سواء في الأحكام إلاّ فيما خصّه الدليل ، وقال الشافعي لا يصحّ ، وقد خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى الهبة ولفظها جميعاً لأنّ اللفظ تابع للمعنى ، والمدعي للاشتراك في اللفظ يحتاج إلى دليل . وقال أَبو الحسن الكرخي إن عقدالنكاح بلفظ الإجارة جائز ، لقوله تعالى { ٱلَّٰتي ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } وقال أبو بكر الرازي لا يصحّ لأنّ الإجارة عقد مؤقت ، وعقد النكاح مؤبد ، فهما متنافيان { خَالِصَةً } مصدر مؤكد ، كوعد الله ، وصبغة الله ، أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة ، بمعنى خلوصاً ، والفاعل والفاعلة في المصادر غير عزيزين ، كالخارج والقاعد ، والعافية والكاذبة . والدليل على أنها وردت في أثر الإحلالات الأربع مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التوكيد لها قوله { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوٰجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } بعد قوله { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهي جملة اعتراضية ، وقوله { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } متصل بخالصة لك من دون المؤمنين ، ومعنى هذه الجملة الاعتراضية أنّ الله قد علم ما يجب فرضه على المؤمنين في الأزواج والإماء ، وعلى أي حدّ وصفه يجب أن يفرض عليهم ففرضه ، وعلم المصلحة في اختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اختصّه به ففعل ومعنى { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } لئلا يكون عليك ضيق في دينك حيث اختصصناك بالتنزيه واختيار ما هو أولىٰ وأفضل ، وفي دنياك حيث أحللنا لك أجناس المنكوحات وزدنا لك الواهبة نفسها . وقرىء « خالصة » بالرفع ، أي ذاك خلوص لك وخصوص من دون المؤمنين ومن جعل خالصة نعتاً للمرأة ، فعلى مذهبه هذه المرأة خالصة لك من دونهم { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } للواقع في الحرج إذا تاب { رَّحِيماً } بالتوسعة على عباده . 898 روي أن أمهات المؤمنين حين تغايرن وابتغين زيادة النفقة وغظن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هجرهنّ شهراً ، ونزل التخيير ، فأشفقن أنّ يطلقهنّ ، فقلن يا رسول الله ، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت . وروي 899 أن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله إني أرى ربك يسارع في هواك . { تُرْجِى } بهمز وغير همز تؤخر { وَتُئْوِى } تضمّ ، يعني تترك مضاجعة من تشاء منهن . وتضاجع من تشاء . أو تطلق من تشاء ، وتمسك من تشاء . أو تقسم لأيتهنّ شئت ، وتقسم لمن شئت . أو تترك تزوّج من شئت من نساء أمّتك ، وتتزوج من شئت . وعن الحسن رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها ، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنه إما أن يطلق ، وإما أن يمسك فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم . وإذا طلق وعزل ، فإما أنّ تخلي المعزولة لا يبتغيها ، أو يبتغيها . روي أنه أرجى منهن سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة ، فكان يقسم لهنّ ما شاء كما شاء ، وكانت ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب رضي الله عنهنّ أرجى خمسة وآوى أربعة . وروي 900 أنه كان يسوّي مع ما أطلق له وخير فيه إلاّ سودة ، فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك { ذَلِكَ } التفويض إلى مشيئتك { أَدْنَىٰ } إلى قرّة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعاً لأنه إذا سوّى بينهن في الإيواء والإرجاء والعزل والابتغاء . وارتفع التفاضل ، ولم يكن لإحداهنّ مما تريد ومما لا تريد إلاّ مثل ما للأخرى . وعلمن أنّ هذا التفويض من عند الله بوحيه - اطمأنت نفوسهن وذهب التنافس والتغاير ، وحصل الرضا وقرّت العيون ، وسلت القلوب { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ } فيه وعيدٌ لمن لم ترضَ منهنّ بما دبر الله من ذلك ، وفوّض إلى مشيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثٌ على تواطؤ قلوبهنّ والتصافي بينهن والتوافق على طلب رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيه طيب نفسه . وقرىء « تقرّ أعينهنّ » ، بضم التاء ونصب الأعين . وتقرّ أعينهنّ ، على البناء للمفعول { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } بذات الصدور { حَلِيماً } لا يعاجل بالعقاب ، فهو حقيق بأن يتقى ويحذر ، { كُلُّهُنَّ } تأكيد لنون يرضين ، وقرأ ابن مسعود « ويرضين كلهنّ ، بما آتيتهنّ » ، على التقديم . وقرأ « كلهنّ » ، تأكيد لـــ « هنّ » في { ءاتَيْتَهُنَّ } .