Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 18-18)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الوزر والوقر أخوان ووزر الشيء إذا حمله . والوازرة صفة للنفس ، والمعنى أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلاّ وزرها الذي اقترفته لا تؤخذ نفس بذنب نفس ، كما تأخذ جبابرة الدنيا الولي بالولي ، والجار بالجار . فإن قلت هلا قيل ولا تزر نفس وزر أخرى ؟ ولم قيل وازرة ؟ قلت لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلاّ حاملة وزرها ، لا وزر غيرها . فإن قلت كيف توفق بين هذا وبين قوله { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } العنكبوت 13 ؟ قلت تلك الآية في الضالين المضلين ، وأنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم ، وذلك كله أوزارهم ما فيها شيء من وزر غيرهم . ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } العنكبوت 12 بقوله تعالى { وَمَا هُمْ بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُمْ مّن شَىْء } العنكبوت 12 . فإن قلت ما الفرق بين معنى قوله { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } وبين معنى { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء } ؟ قلت الأول في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه ، وأنه تعالى لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها ، والثاني في أن لا غياث يومئذ لمن استغاث ، حتى أن نفساً قد أثقلتها الأوزار وبهظتها ، لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث ، وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ . فإن قلت إلام أسند كان في { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } ؟ قلت إلى المدعو المفهوم من قوله { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } . فإن قلت فلم ترك ذكر المدعو ؟ قلت ليعمّ ، ويشمل كل مدعوّ . فإن قلت كيف استقام إضمار العام ؟ ولا يصحّ أن يكون العام ذا قربى للمثقلة ؟ قلت هو من العموم الكائن على طريق البدل . فإن قلت ما تقول فيمن قرأ « ولو كان ذو قربى » على كان التامّة ، كقوله تعالى { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } البقرة 290 ؟ قلت نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة لأن المعنى على أن المثقلة إن دعت أحداً إلى حملها لا يحمل منه شيء وإن كان مدعوّها ذا قربى ، وهو معنى صحيح ملتئم ، ولو قلت ولو وجد ذو قربى ، لتفكك وخرج من اتساقه والتئامه ، على أنّ ههنا ما ساغ أن يستتر له ضمير في الفعل بخلاف ما أوردته { بِٱلْغَيْبِ } حال من الفاعل أو المفعول ، أي يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائباً عنهم . وقيل بالغيب في السر ، وهذه صفة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ، فكانت عادتهم المستمرّة أن يخشوا الله ، وهم الذين أقاموا الصلاة وتركوها مناراً منصوباً وعلماً مرفوعاً ، يعني إنما تقدر على إنذار هؤلاء وتحذيرهم من قومك ، وعلى تحصيل منفعة الإنذار فيهم دون متمرّديهم وأهل عنادهم { وَمَن تَزَكَّىٰ } ومن تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي . وقرىء « من أزكى فإنما يزكي » ، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة ، لأنهما من جملة التزكي { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } وعد للمتزكين بالثواب . فإن قلت كيف اتصل قوله { إِنَّمَا تُنذِرُ } بما قبله ؟ قلت لما غضب عليهم في قوله { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أتبعه الإنذار بيوم القيامة وذكر أهوالها ، ثم قال إنما تنذر كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعهم ذلك ، فلم ينفع ، فنزل { إِنَّمَا تُنذِرُ } أو أخبره الله تعالى بعلمه فيهم .