Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 102-102)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فلما بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه . فإن قلت { مَعَهُ } بم يتعلق ؟ قلت لا يخلو إما أن يتعلق ببلغ ، أو بالسعي ، أو بمحذوف ، فلا يصح تعلقه ببلغ لاقتضائه بلوغهما معاً حدّ السعي ، ولا بالسعي لأنّ صلة المصدر لا تتقدم عليه ، فبقي أن يكون بياناً ، كأنه لما قال فلما بلغ السعي أي الحدّ الذي يقدر فيه على السعي قيل مع من ؟ فقال مع أبيه . والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس به ، وأعطفهم عليه ، وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله ، لأنه لم تستحكم قوته ولم يصلب عوده ، وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة . والمراد أنه على غضاضة سنة وتقلبه في حدّ الطفولة ، كان فيه من رصانة الحلم وفسحة الصدر ما جسره على احتمال تلك البلية العظيمة والإجابة بذلك الجواب الحكيم أتي في المنام فقيل له اذبح ابنك ، ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة ، فلهذا قال { إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ } فذكر تأويل الرؤيا ، كما يقول الممتحن وقد رأى أنه راكب في سفينة رأيت في المنام أني ناج من هذه المحنة ، وقيل رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له إنّ الله يأمرك بذبح ابنك هذا ، فلما أصبح روَّى في ذلك من الصباح إلى الرواح ، أمن الله هذا الحلم أو من الشيطان ؟ فمن ثم سمي يوم التروية ، فلما أمسى رأى مثل ذلك ، فعرف أنه من الله ، فمن ثم سمي يوم عرفة ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة ، فهم بنحره فسمي يوم النحر . وقيل إنّ الملائكة حين بشّرته بغلام حليم قال هو إذن ذبيح الله . فلما ولد وبلغ حدّ السعي معه قيل له أوف بنذرك { فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } من الرأي على وجه المشاورة . وقرىء « ماذا ترى » ، أي ماذا تبصر من رأيك وتبديه . وماذا ترى ، على البناء للمفعول أي ماذا تريك نفسك من الرأي { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } أي ما تؤمر به ، فحذف الجار كما حذف من قوله @ أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ @@ أوأمرك على إضافة المصدر إلى المفعول ، وتسمية المأمور به أمراً . وقرىء « ما تؤمر به » فإن قلت لم شاوره في أمر هو حتم من الله ؟ قلت لم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ، ولكن ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله ، فيثبت قدمه ويصبره إن جزع ، ويأمن عليه الزلل إن صبر وسلم ، وليعلمه حتى يراجع نفسه فيوطنها ويهون عليها ، ويلقى البلاء وهو كالمستأنس به ، ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله قبل نزوله ، لأنّ المغافصة بالذبح مما يستمسج وليكون سنة في المشاورة ، فقد قيل لو شاور آدم الملائكة في أكله من الشجرة لما فرط منه ذلك . فإن قلت لم كان ذلك بالمنام دون اليقظة ؟ قلت كما أرى يوسف عليه السلام سجود أبويه وإخوته له في المنام من غير وحي إلى أبيه ، وكما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخول المسجد الحرام في المنام ، وما سوى ذلك من منامات الأنبياء ، وذلك لتقوية الدلالة على كونهم صادقين مصدوقين لأنّ الحال إما حال يقظة أو حال منام ، فإذا تظاهرت الحالتان على الصدق كان ذلك أقوى للدلالة من انفراد أحدهما .