Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 103-111)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقال سلم لأمر الله وأسلم ، واستسلم بمعنى واحد . وقد قرىء بهنّ جميعاً إذا انقاد له ، وخضع ، وأصلها من قولك سلم هذا لفلان إذا خلص له . ومعناه سلم من أن ينازع فيه ، وقولهم سلم لأمر الله ، وأسلم له منقولان منه ، وحقيقة معناهما أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له خالصة ، وكذلك معنى استسلم استخلص نفسه لله . وعن قتادة في { أَسْلَمَا } أسلم هذا ابنه وهذا نفسه { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } صرعه على شقه ، فوقع أحد جنبيه على الأرض تواضعاً على مباشرة الأمر بصبر وجلد ، ليرضيا الرحمٰن ويخزيا الشيطان . وروى أن ذلك كان عند الصخرة التي بمنى ، وعن الحسن في الموضع المشرف على مسجد منىٰ . وعن الضحاك في المنحر الذي ينحر فيه اليوم . فإن قلت أين جواب لما ؟ قلت هو محذوف تقديره فلما أسلما وتله للجبين { وَنَـٰدَيْنَـٰهُ أَن يٰإِبْرٰهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا } كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما واغتباطهما ، وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما ، من دفع البلاء العظيم بعد حلوله ، وما اكتسبا في تضاعيفه بتوطين الأنفس عليه من الثواب والأعواض ورضوان الله الذي ليس وراءه مطلوب ، وقوله { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } تعليل لتخويل ما خوّلهما من الفرج بعد الشدّة ، والظفر بالبغية بعد اليأس { ٱلْبَلاَء ٱلْمُبِينُ } الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم . أو المحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها . الذبح اسم ما يذبح . وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو الكبش الذي قرّبه هابيل فقبل منه ، وكان يرعى في الجنة حتى فدى به إسماعيل . وعن الحسن فدى بوعل أهبط عليه من ثبير . وعن ابن عباس لو تمت تلك الذبيحة لكانت سنة وذبح الناس أبناءهم { عظِيمٌ } ضخم الجثة سمين ، وهي السنة في الأضاحي . وقوله عليه السلام . 948 " استشرفوا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم " وقيل لأنه وقع فداء عن ولد إبراهيم . وروى أنه هرب من إبراهيم عليه السلام عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه ، فبقيت سنة في الرمي ، وروى أنه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده . وروى أنه لما ذبحه قال جبريل الله أكبر الله أكبر ، فقال الذبيح لا إلٰه إلاّ الله والله أكبر ، فقال إبراهيم عليه السلام الله أكبر ولله الحمد ، فبقي سنة وحكي في قصة الذبيح أنه حين أراد ذبحه قال يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق بنا إلى الشعب نحتطب ، فلما توسط شعب ثبير أخبره بما أمر . فقال له اشدد رباطي لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك لا ينتضح عليها شيء من دمي فينقص أجري وتراه أمي فتحزن ، واشحذ شفرتك وأسرع إمرارها على حلقي حتى تجهز عليّ ، ليكون أهون فإنّ الموت شديد ، واقرأ على أمي سلامي ، وإن رأيت أن تردّ قميصي على أمي ، فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسهل لها ، فقال إبراهيم عليه السلام نعم العون أنت يا بنيّ على أمر الله ، ثم أقبل عليه يقلبه وقد ربطه ، وهما يبكيان ، ثم وضع السكين على حلقه فلم تعمل . لأنّ الله ضرب صفيحة من نحاس على حلقه ، فقال له كبني على وجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله ، ففعل ، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ، ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، فنظر فإذا جبريل عليه السلام معه كبش أقرن أملح ، فكبر جبريل والكبش ، وإبراهيم وابنه ، وأتى المنحر من منى فذبحه . وقيل لما وصل موضع السجود منه إلى الأرض جاء الفرج . وقد استشهد أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده أنه يلزمه ذبح شاة ، فإن قلت من كان الذبيح من ولديه ؟ قلت قد اختلف فيه فعن ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وجماعة من التابعين أنه إسماعيل . والحجة فيه 949 أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " وقال له أعرابي 949 يا ابن الذبيحين ، فتبسم ، فسئل عن ذلك فقال إنّ عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر لله لئن سهل الله له أمرها ليذبحنّ أحد ولده ، فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا له افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل ، وعن محمد بن كعب القرظي قال كان مجتهد بني إسرائيل يقول إذا دعا اللهم إلٰه إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل ، فقال موسى عليه السلام يا رب ، ما لمجتهد بني إسرائيل إذا دعا قال اللهم إله إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل ، وأنا بين أظهرهم فقد أسمعتني كلامك واصطفيتني برسالتك ؟ قال يا موسى ، لم يحبني أحد حبّ إبراهيم قط ، ولا خير بيني وبين شيء قط إلا اختارني . وأمّا إسماعيل فإنه جاد بدم نفسه . وأمّا إسرائيل ، فإنه لم ييأس من روحي في شدّة نزلت به قط ، ويدل عليه أنّ الله تعالى لما أتمّ قصة الذبيح قال { وَبَشَّرْنَـٰهُ بِإِسْحَـٰقَ نَبِيّاً } الصافات 112 وعن محمد بن كعب أنه قال لعمر بن عبد العزيز هو إسماعيل ، فقال عمر إنّ هذا شيء ما كنت أنظر فيه ، وإني لأراه كما قلت ، ثم أرسل إلى يهودي قد أسلم فسأله ، فقال إن اليهود لتعلم أنه إسماعيل ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب ، ويدل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت . وعن الأصمعي قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ، ومتى كان إسحاق بمكة ، وأنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه ، والمنحر بمكة ، ومما يدلّ عليه أنّ الله تعالى وصفه بالصبر دون أخيه إسحاق في قوله { وَإِسْمَـٰعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مّنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } الأنبياء 85 وهو صبره على الذبح ، ووصفه بصدق الوعد في قوله { إِنَّهُ كَانَ صَـٰدِقَ ٱلْوَعْدِ } مريم 54 لأنه وعد أباه الصبر من نفسه على الذبح فوفى به ، ولأنّ الله بشّره بإسحاق وولده يعقوب في قوله { فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } هود 71 فلو كان الذبيح إسحاق لكان خلفاً للموعد في يعقوب ، وعن علي بن أبي طالب وابن مسعود والعباس وعطاء وعكرمة وجماعة من التابعين أنه إسحاق . والحجة فيه أن الله تعالى أخبر عن خليله إبراهيم حين هاجر إلى الشام بأنه استوهبه ولداً ، ثم أتبع ذلك البشارة بغلام حليم ، ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به . ويدلّ عليه كتاب يعقوب إلى يوسف من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله . فإن قلت قد أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه في المنام بأن يذبح ولده ولم يذبح ، وقيل له { قد صدقت الرؤيا } ، وإنما كان يصدقها لو صحّ منه الذبح ، ولم يصحّ قلت قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح من بطحه على شقه وإمرار الشفرة على حلقه ، ولكن الله سبحانه جاء بما منع الشفرة أن تمضي فيه ، وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم عليه السلام ، ألا ترى أنه لا يسمى عاصياً ولا مفرطاً ، بل يسمى مطيعاً ومجتهداً ، كما لو مضت فيه الشفرة وفرت الأوداج وأنهرت الدم ، وليس هذا من ورود النسخ على المأمور به قبل الفعل ، ولا قبل أوان الفعل في شيء ، كما يسبق إلى بعض الأوهام حتى يشتغل بالكلام فيه . فإن قلت الله تعالى هو المفتدى منه لأنه الآمر بالذبح ، فكيف يكون فادياً حتى قال { وَفَدَيْنَـٰهُ } ؟ قلت الفادي هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والله عزّ وجلّ وهب له الكبش ليفدى به وإنما قال { وَفَدَيْنَـٰهُ } إسناداً للفداء إلى السبب الذي هو الممكن من الفداء بهبته . فإن قلت فإذا كان ما أتى به إبراهيم من البطح وإمرار الشفرة في حكم الذبح . فما معنى الفداء ، والفداء إنما هو التخليص من الذبح ببدل ؟ قلت قد علم بمنع الله أن حقيقة الذبح لم تحصل من فرى الأوداج وإنهار الدم ، فوهب الله له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة حتى لا تحصل تلك الحقيقة في نفس إسماعيل ، ولكن في نفس الكبش بدلاً منه . فإن قلت فأي فائدة في تحصيل تلك الحقيقة ، وقد استغنى عنها بقيام ما وجد من إبراهيم مقام الذبح من غير نقصان ؟ قلت الفائدة في ذلك أن يوجد ما منع منه في بدله حتى يكمل منه الوفاء بالمنذور وإيجاد المأمور به من كل وجه . فإن قلت لم قيل ههنا { كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } وفي غيرها من القصص إنا كذلك ؟ قلت قد سبقه في هذه القصة { إنا كذلك } ، فكأنما استخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة عن ذكره ثانية .