Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 149-157)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَٱسْتَفْتِهِمْ } معطوف على مثله في أوّل السورة ، وإن تباعدت بينهما المسافة أمر رسوله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أوّلاً ، ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض ، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها ، حيث جعلوا لله الإناث ولأنفسهم الذكور في قولهم الملائكة بنات الله ، مع كراهتهم الشديدة لهنّ ، ووأدهم ، واستنكافهم من ذكرهنّ . ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر ، أحدها التجسيم ، لأن الولادة مختصة بالأجسام والثاني تفضيل أنفسهم على ربهم حين جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم ، كما قال { وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } الزخرف 17 ، { أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } الزخرف 18 والثالث أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه وأقربهم إليه ، حيث أنثوهم ولو قيل لأقلهم وأدناهم فيك أنوثة ، أو شكلك شكل النساء ، للبس لقائله جلد النمر ، ولانقلبت حماليقه وذلك في أهاجيهم بين مكشوف ، فكرّر الله سبحانه الأنواع كلها في كتابه مرّات ودلّ على فظاعتها في آيات { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } مريم 88 - 89 ، { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } الأنبياء 26 ، { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } البقرة 116 ، { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } الأنعام 101 ، { ألا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ ٱللَّهُ } الصافات 151 - 152 ، { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا } الزخرف 15 ، { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ بَنَاتٍ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } النحل 57 ، { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَـٰتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } الطور 39 ، { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ } النحل 62 ، { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } الصافات 153 ، { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَـٰكُم بِٱلْبَنِينَ } الزخرف 16 ، { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } الزخرف 19 . { أم خَلَقْنَا ٱلْمَلَـٰئِكَةَ إِنَـٰثاً وَهُمْ شَـٰهِدُونَ } فإن قلت لم قال { وَهُمْ شَـٰهِدُونَ } فخصّ علم المشاهدة ؟ قلت ما هو إلا استهزاء بهم وتجهيل لهم ، وكذلك قوله { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } الزخرف 19 ونحوه قوله { مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَْرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ } الكهف 51 وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة ، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم . ولا بإخبار صادق ، ولا بطريق استدلال ونظر . ويجوز أن يكون المعنى أنهم يقولون ذلك ، كالقائل قولاً عن ثلج صدر وطمأنينة نفس لإفراط جهلهم ، كأنهم قد شاهدوا خلقهم . وقرىء « ولد الله » أي الملائكة ولده . والولد « فعل » بمعنى مفعول ، يقع على الواحد والجمع ، والمذكر والمؤنث . تقول هذه ولدي ، وهؤلاء ولدي . فإن قلت { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ } بفتح الهمزة استفهام على طريق الإنكار والاستبعاد ، فكيف صحّت قراءة أبي جعفر بكسر الهمزة على الإثبات ؟ قلت جعله من كلام الكفرة بدلاً عن قولهم { وَلَدَ ٱللَّهُ } وقد قرأ بها حمزة والأعمش رضي الله عنهما . وهذه القراءة - وإن كان هذا محملها - فهي ضعيفة ، والذي أضعفها أن الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها ، وذلك قوله { وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } . { مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ؟ فمن جعلها للإثبات ، فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين . وقرىء « تذكرون » من ذكر { أَمْ لَكُمْ سُلْطَـٰنٌ } أي حجة نزلت عليكم من السماء وخبر بأن الملائكة بنات الله { فَأْتُواْ بِكِتَـٰبِكُمْ } الذي أنزل عليكم في ذلك ، كقوله تعالى { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } الروم 35 وهذه الآيات صادرة عن سخط عظيم ، وإنكار فظيع ، واستبعاد لأقاويلهم شديد وما الأساليب التي وردت عليها إلاّ ناطقة بتسفيه أحلام قريش ، وتجهيل نفوسها ، واستركاك عقولها ، مع استهزاء وتهكم وتعجيب ، من أن يخطر مخطر مثل ذلك على بالٍ ويحدّث به نفساً فضلاً أن يجعله معتقداً ويتظاهر به مذهباً .