Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 24-25)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَقَدْ ظَلَمَكَ } جواب قسم محذوف . وفي ذلك استنكار لفعل خليطه وتهجين لطمعه . والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول ، كقوله تعالى { مِن دُعَاء ٱلْخَيْرِ } فصلت 49 وقد ضمن معنى الإضافة فعدّى تعديتها ، كأنه قيل بإضافة { نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } على وجه السؤال والطلب . فإن قلت كيف سارع إلى تصديق أحد الخصمين حتى ظلم الآخر قبل استماع كلامه ؟ قلت ما قال ذلك إلاّ بعد اعتراف صاحبه ، لكنه لم يحك في القرآن لأنه معلوم . ويروى أنه قال أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجي مائة ، فقال داود إن رمت ذلك ضربنا منك هذا وهذا ، وأشار إلى طرف الأنف والجبهة ، فقال يا داود أنت أحقّ أن يضرب منك هذا وهذا ، وأنت فعلت كيت وكيت ، ثم نظر داود فلم ير أحداً ، فعرف ما وقع فيه و { ٱلْخُلَطَاء } الشركاء الذين خلطوا أموالهم ، الواحد خليط ، وهي الخلطة ، وقد غلبت في الماشية والشافعي رحمه الله يعتبرها ، فإذا كان الرجلان خليطين في ماشية بينهما غير مقسومة ، أو لكل واحد منهما ماشية على حدة إلاّ أنّ مراحهما ومساقهما وموضع حلبهما والراعي والكلب واحد والفحولة مختلطة فهما يزكيان زكاة الواحد فإن كان لهما أربعون شاة فعليهما شاة . وإن كانوا ثلاثة ولهم مائة وعشرون لكل واحد أربعون ، فعليهم واحدة كما لو كانت لواحد . وعند أبي حنيفة لا تعتبر الخلطة ، والخليط والمنفرد عنده واحد ، ففي أربعين بين خليطين لا شيء عنده ، وفي مائة وعشرين بين ثلاثة ثلاث شياه . فإن قلت فهذه الخلطة ما تقول فيها ؟ قلت عليهما شاة واحدة ، فيجب على ذي النعجة أداء جزء من مائة جزء من الشاة عند الشافعي رحمه الله ، وعند أبي حنيفة لا شيء عليه ، فإن قلت ماذا أراد بذكر حال الخلطاء في ذلك المقام ؟ قلت قصد به الموعظة الحسنة والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الصلحاء الذين حكم لهم بالقلة ، وأن يكرّه إليهم الظلم والاعتداء الذي عليه أكثرهم ، مع التأسف على حالهم ، وأن يسلى المظلوم عما جرى عليه من خليطه ، وأنّ له في أكثر الخلطاء أسوة . وقرىء « ليبغي » بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة ، وحذفها كقوله @ اضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِقَهَا @@ وهو جواب قسم محذوف . وليبغ بحذف الياء ، اكتفاء منها بالكسرة ، و ما في { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } للإبهام . وفيه تعجب من قلتهم . وإن أردت أن تتحقق فائدتها وموقعها فاطرحها ، من قول امرىء القيس @ وَحَدِيثٌ مَا عَلَى قِصَرِهْ @@ وانظر هل بقي له معنى قط ، لما كان الظنّ الغالب يداني العلم ، استعير له . ومعناه وعلم داود وأيقن { أَنَّمَا فَتَنَّـٰهُ } أنا ابتليناه لا محالة بامرأة أوريا ، هل يثبت أو يزل ؟ وقرىء « فتناه » بالتشديد للمبالغة . وأفتناه ، من قوله @ لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهِيَ بِالأَمْسِ أَفْتَنَتْ @@ وفتناه وفتناه ، على أن الألف ضمير الملكين . وعبر بالراكع عن الساجد ، لأنه ينحني ويخضع كالساجد . وبه استشهد أبو حنيفة وأصحابه في سجدة التلاوة ، على أنّ الركوع يقوم مقام السجود . وعن الحسن لأنه لا يكون ساجداً حتى يركع ، ويجوز أن يكون قد استغفر الله لذنبه وأحرم بركعتي الاستغفار والإنابة ، فيكون المعنى وخرّ للسجود راكعاً أي مصلياً لأنّ الركوع يجعل عبارة عن الصلاة { وَأَنَابَ } ورجع إلى الله تعالى بالتوبة والتنصل . وروى أنه بقي ساجداً أربعين يوماً وليلة لا يرفع رأسه إلاّ لصلاة مكتوبة أو ما لا بدّ منه ولا يرقأ دمعه حتى نبت العشب من دمعه إلى رأسه ، ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع ، وجهد نفسه راغباً إلى الله تعالى في العفو عنه حتى كاد يهلك ، واشتغل بذلك عن الملك حتى وثب ابن له يقال له إيشا على ملكه ودعا إلى نفسه ، واجتمع إليه أهل الزيغ من بني إسرائيل ، فلما غفر له حاربه فهزمه . وروى أنه نقش خطيئته في كفه حتى لا ينساها . وقيل إنّ الخصمين كانا من الإنس ، وكانت الخصومة على الحقيقة بينهما إما كانا خليطين في الغنم ، وإما كان أحدهما موسراً وله نسوان كثيرة من المهائر والسراري ، والثاني معسراً ماله إلا امرأة واحدة ، فاستنزله عنها ، إنما فزع لدخولهما عليه في غير وقت الحكومة أن يكونا مغتالين ، وما كان ذنب داود إلاّ أنه صدّق أحدهما على الآخر وظلمه قبل مسألته .