Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 75-76)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فإن قلت ما وجه قوله { خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } قلت قد سبق لنا أنّ ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه ، فغلبت العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما ، حتى قيل في عمر القلب هو مما عملت يداك ، وحتى قيل لمن لا يدي له يداك أوكتا وفوك نفخ ، وحتى لم يبق فرق بين قولك هذا مما عملته ، وهذا مما عملته يداك . ومنه قوله { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } صۤ 75 ؟ قلت الوجه الذي استنكر له إبليس السجود لآدم ، واستنكف منه أنه سجود لمخلوق ، فذهب بنفسه ، وتكبر أن يكون سجوده لغير الخالق ، وانضم إلى ذلك أنّ آدم مخلوق من طين وهو مخلوق من نار . ورأى للنار فضلاً على الطين فاستعظم أن يسجد لمخلوق مع فضله عليه في المنصب ، وزلّ عنه أنّ الله سبحانه حين أمر به أعزَّ عباده عليه وأقربهم منه زلفى وهم الملائكة ، وهم أحقّ بأن يذهبوا بأنفسهم عن التواضع للبشر الضئيل ، ويستنكفوا من السجود له من غيرهم ، ثم لم يفعلوا وتبعوا أمر الله وجعلوه قدّام أعينهم ، ولم يلتفتوا إلى التفاوت بين الساجد والمسجود له ، تعظيماً لأمر ربهم وإجلالاً لخطابه كان هو مع انحطاطه عن مراتبهم حرى بأن يقتدي بهم ويقتفي أثرهم ، ويعلم أنهم في السجود لمن هو دونهم بأمر الله ، أوغل في عبادته منهم في السجود له ، لما فيه من طرح الكبرياء وخفض الجناح ، فقيل له ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ ، أي ما منعك من السجود لشيء هو كما تقول مخلوق خلقته بيدي - لا شكّ في كونه مخلوقاً - امتثالاً لأمري وإعظاماً لخطابي كما فعلت الملائكة ، فذكر له ما تركه من السجود مع ذكر العلة التي تشبث بها في تركه ، وقيل له لما تركته مع وجود هذه العلة ، وقد أمرك الله به ، يعني كان عليك أن تعتبر أمر الله ولا تعتبر هذه العلة ، ومثاله أن يأمر الملك وزيره أن يزور بعض سقاط الحشم فيمتنع اعتباراً لسقوطه ، فيقول له ما منعك أن تتواضع لمن لا يخفى عليّ سقوطه ، يريد هلا اعتبرت أمرى وخطابي وتركت اعتبار سقوطه ، وفيه أني خلقته بيدي ، فأنا أعلم بحاله ، ومع ذلك أمرت الملائكة بأن يسجدوا له لداعي حكمة دعاني إليه من إنعام عليه بالتكرمة السنية وابتلاء للملائكة ، فمن أنت حتى يصرفك عن السجود له ، ما لم يصرفني عن الأمر بالسجود له . وقيل معنى { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } لما خلقت بغير واسطة . وقرىء « بيدي » كما قرىء « بمصرخي » . وقرىء « بيدي » على التوحيد { مِنَ ٱلْعَـٰلِينَ } ممن علوت وفقت ، فأجاب بأنه من العالين حيث { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ } وقيل استكبرت الآن ، أم لم تزل مند كنت من المستكبرين . ومعنى الهمزة التقرير . وقرىء « استكبرت » بحذف حرف الاستفهام لأنّ أم تدلّ عليه . أو بمعنى الإخبار . هذا على سبيل الأولى ، أي لو كان مخلوقاً من نار لما سجدت له ، لأنه مخلوق مثلي ، فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله ، وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهي { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ } مجرى المعطوف عطف البيان من المعطوف عليه في البيان والإيضاح .