Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 106-108)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ارتفع اثنان على أنه خبر للمبتدأ الذي هو { شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ } على تقدير شهادة بينكم شهادة اثنين . أو على أنه فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان وقرأ الشعبي . « شهادة بينكم » بالتنوين . وقرأ الحسن « شهادة » ، بالنصب والتنوين على ليقم شهادة اثنان . و { إِذَا حَضَرَ } ظرف للشهادة . و { حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ } بدل منه ، إبداله منه دليل على وجوب الوصية ، وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها مسلم ويذهل عنها . وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل { مِّنْكُمْ } من أقاربكم . و { مِنْ غَيْرِكُمْ } من الأجانب { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } يعني إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم ، فاستشهدوا أجنبيين على الوصية ، جعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وما هو أصلح وهم له أنصح . وقيل { منكم } من المسلمين ، و { مِنْ غَيْرِكُمْ } من أهل الذمة . وقيل هو منسوخ لا تجوز شهادة الذمي على المسلم ، وإنما جازت في أوّل الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر . وعن مكحول نسخها قوله تعالى { وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ } وروي 369 أنه خرج بُديل بن أبي مريم مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين ، مع عدي بن زيد وتميم بن أوس - وكانا نصرانيين - تجاراً إلى الشام ، فمرض بديل وكتب كتاباً فيه ما معه ، وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه ، وأمرهما أن يدفعا متاعه إلى أهله . ومات ففتشا متاعه ، فأخذا إناء من فضة فيه ثلثمائة مثقال منقوشاً بالذهب ، فغيباه ، فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالإناء ، فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { تَحْبِسُونَهُمَا } تقفونهما وتصبرونهما للحلف { مِنْ بَعْدِٱلصَّلَٰوةِ } من بعد صلاة العصر ، لأن وقت اجتماع الناس . وعن الحسن بعد صلاة العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما . وفي حديث بديل أنها لما نزلت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعديّ وتميم فاستحلفهما عند المنبر ، فحلفا ، ثم وجد الإناء بمكة ، فقالوا إنا اشتريناه من تميم وعدي . وقيل هي صلاة أهل الذمّة ، وهم يعظمون صلاة العصر { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } اعتراض بين القسم والمقسم عليه . والمعنى إن ارتبتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما . وقيل إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين وإن أريد الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما . وعن عليّ رضي الله عنه أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمهما والضمير في { بِهِ } للقسم . وفي { كَانَ } للمقسم له يعني لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضاً من الدنيا ، أي لا نحلف كاذبين لأجل المال ، ولو كان من نقسم له قريباً منا ، على معنى أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبداً ، وأنهم داخلون تحت قوله تعالى { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } النساء 135 . { شَهَـٱدَةَ ٱللَّهِ } أي الشهادة التي أمر الله بحفظها وتعظيمها . وعن الشعبي أنه وقف على شهادة ، ثم ابتدأ الله بالمدّ ، على طرح حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه . وروي عنه بغير مدّ على ما ذكر سيبويه أن منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزة الاستفهام ، فيقول ألله لقد كان كذا . وقرىء « لملاثمين » بحذف الهمزة وطرح حركتها على اللام وإدغام نون من فيها ، كقوله عاد لولي فإن قلت ما موقع تحبسونهما ؟ قلت هو استئناف كلام ، كأنه قيل بعد اشتراط العدالة فيهما ، فكيف نعمل إن ارتبنا بهما ، فقيل تحبسونهما فإن قلت كيف فسرت الصلاة بصلاة العصر وهي مطلقة ؟ قلت لما كانت معروفة عندهم بالتحليف بعدها ، أغنى ذلك عن التقييد ، كما لو قلت في بعض أئمة الفقه إذا صلّى أخذ في الدرس علم أنها صلاة الفجر . ويجوز أن تكون اللام للجنس ، وأن يقصد بالتحليف على أثر الصلاة أن تكون الصلاة لطفاً في النطق بالصدق ، وناهية عن الكذب والزور { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } العنكبوت 45 { فَإِنْ عُثِرَ } فإن اطلع { عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّا إِثْماً } أي فعلا مّا أوجب إثماً ، واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين { فَآخَرَانِ } فشاهدان آخران { يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ } أي من الذين استحق عليهم الإثم . معناه من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرتهم . وفي قصة بديل أنه لما ظهرت خيانة الرجلين ، حلف رجلان من ورثته أنه إناء صاحبهما ، وأن شهادتهما أحق من شهادتهما . { ٱلأَوْلَيَانِ } الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما ، وارتفاعهما على هما الأوليان كأنه قيل ومن هما ؟ فقيل الأوليان . وقيل هما بدل من الضمير في يقومان ، أو من آخران . ويجوز أن يرتفعا باستحق ، أي من الذين استحق عليهم انتداب الأوليين منهم للشهادة لإطلاعهم على حقيقة الحال . وقرىء « الأوّلين » على أنه وصف للذين استحق عليهم ، مجرور ، أو منصوب على المدح . ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحقّ بها . وقرىء « الأولين » على التثنية ، وانتصابه على المدح . وقرأ الحسن « الأولان » ، ويحتج به من يرى رد اليمين على المدعي . وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون ذلك . فوجهه عندهم أن الورثة قد ادعوا على النصرانيين أنهما قد اختانا فحلفا ، فلما ظهر كذبهما ادعيا الشراء فيما كتما ، فأنكر الورثة فكانت اليمين على الورثة لإنكارهم الشراء . فإن قلت فما وجه قراءة من قرأ استحق عليهم الأوليان على البناء للفاعل ، وهم علي وأبيّ وابن عباس ؟ قلت معناه من الورثة الذي استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة ، أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين { ذٰلِكَ } الذي تقدم من بيان الحكم { أَدْنَىٰ } أن يأتي الشهداء على نحو تلك الحادثة { بِٱلشَّهَـٰدَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَا أَوْ يَخَـٰفُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَـٰنٌ } أن تكرّ أيمان شهود آخرين بعد إيمانهم فيفتضحوا بظهور كذبهم كما جرى في قصة بديل . { وَٱسْمَعُواْ } سمع إجابة وقبول .