Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 25-26)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما عصوه وتمرّدوا عليه وخالفوه وقالوا ما قالوا من كلمة الكفر ولم يبق معه مطيع موافق يثق له إلا هارون { قَالَ رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ } لنصرة دينك { إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى } وهذا من البث والحزن والشكوى إلى الله والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب عليه السلام { إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ } يوسف 86 . وعن عليّ رضي الله عنه أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة ، فما أجابه إلا رجلان فتنفس الصعداء . ودعا لهما وقال أين تقعان مما أريد ؟ وذكر في إعراب أخي وجوه أن يكون منصوباً عطفاً على نفسي أو على الضمير في إني بمعنى ولا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه . ومرفوعا عطفاً على محل إن واسمها . كأنه قيل أنا لا أملك إلا نفسي ، وهارون كذلك لا يملك إلا نفسه أو على الضمير في لا أملك . وجاز للفصل . مجروراً عطفاً على الضمير في نفسي ، وهو ضعيف لقبح العطف على ضمير المجرور إلا بتكرير الجار . فإن قلت أما كان معه الرجلان المذكوران ؟ قلت كأنه لم يثق بهما كل الوثوق ولم يطمئن إلى ثباتهما ، لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم ، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره ، ويجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عندما سمع منهم تقليلاً لمن يوافقه . ويجوز أن يريد ومن يؤاخيني على ديني { فَٱفْرُقْ } فافصل { بَيْنِنَا } وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق ، وتحكم عليهم بما يستحقون ، وهو في معنى الدعاء عليهم . ولذلك وصل به قوله { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } على وجه التسبيب ، أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله { وَنَجّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } القصص 21 { فَإِنَّهَا } فإن الأرض المقدسة { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } لا يدخلونها ولا يملكونها ، فإن قلت كيف يوفق بين هذا وبين قوله { الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } المائدة 21 ؟ قلت فيه وجهان ، أحدهما أن يراد كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها فلمَّا أبوا الجهاد قيل فإنها محرّمة عليهم . والثاني أن يراد فإنها محرّمة عليهم أربعين سنة ، فإذا مضت الأربعون كان من كتب ، فقد روي أن موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتح أريحاء وأقام فيها ما شاء الله ثم قبض صلوات الله عليه . وقيل لما مات موسى بعث يوشع نبياً ، فأخبرهم بأنه نبيّ الله ، وأن الله أمره بقتال الجبابرة ، فصدقوه وبايعوه وسار بهم إلى أريحاء وقتل الجبارين وأخرجهم ، وصار الشام كله لبني إسرائيل . وقيل لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال { إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا } وهلكوا في التيه ونشأت نواشيء من ذرّياتهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها والعامل في الظرف إما محرمة وإما يتيهون ومعنى { يَتِيهُونَ فِى ٱلأَرْضِ } يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقاً . والتيه المفازة التي يتاه فيها . روى أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين ، حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه ، وكان الغمام يظللهم من حرّ الشمس ، ويطلع لهم عمود من نور بالليل يضيء لهم ، وينزل عليهم المنّ والسلوى ، ولا تطول شعورهم ، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله . فإن قلت فلم كان ينعم عليهم بتظليل الغمام وغيره ، وهم معاقبون ؟ قلت كما ينزل بعض النوازل على العصاة عركاً لهم ، وعليهم مع ذلك النعمة متظاهرة . ومثل ذلك مثل الوالد المشفق يضرب ولده ويؤذيه ليتأدب ويتثقف ولا يقطع عنه معروفه وإحسانه . فإن قلت هل كان معهم في التيه موسى وهارون عليهما السَّلام ؟ قلت اختلف في ذلك ، فقيل لم يكونا معهم لأنه كان عقاباً ، وقد طلب موسى إلى ربه أن يفرق بينهما وبينهم . وقيل كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحاً لهما وسلامة ، ولا عقوبة ، كالنار لإبراهيم ، وملائكة العذاب . وروي أن هارون مات في التيه . ومات موسى بعده فيه بسنة . ودخل يوشع أريحاء بعد موته بثلاثة أشهر . ومات النقباء في التيه بغتة ، إلا كالب ويوشع { فَلاَ تَأْسَ } فلا تحزن عليهم لأنه ندم على الدعاء عليهم ، فقيل إنهم أحقاء لفسقهم بالعذاب ، فلا تحزن ولا تندم .