Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 27-32)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هما ابنا آدم لصلبه قابيل وهابيل ، أوحى الله إلى آدم أن يزوّج كل واحد منهما توأمة الآخر ، وكانت توأمة قابيل أجمل واسمها إقليما فحسد عليها أخاه وسخط . فقال لهما آدم قرّبا قرباناً ، فمن أيكما تقبل زوّجها ، فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل حسداً وسخطاً ، وتوعده بالقتل . وقيل هما رجلان من بني إسرائيل { بِٱلْحَقّ } تلاوة متلبسة بالحق والصحة . أو اتله نبأ متلبساً بالصدق موافقاً لما في كتب الأوّلين . أو بالغرض الصحيح وهو تقبيح الحسد لأن المشركين وأهل الكتاب كلهم كانوا يحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبغون عليه . أو اتل عليهم وأنت محق صادق . و { إِذْ قَرَّبَا } نصب بالنبأ أي قصتهم وحديثهم في ذلك الوقت ، ويجوز أن يكون بدلاً من النبأ ، أي اتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت ، على تقدير حذف المضاف . والقربان اسم ما يتقرّب به إلى الله من نسيكة أو صدقة ، كما أنّ الحلوان اسم ما يحلّى أي يعطى . يقال قرّب صدقة وتقرّب بها ، لأن تقرّب مطاوع قرب قال الأصمعي تقرّبوا قرف القمع فيعدى بالباء حتى يكون بمعنى قرب . فإن قلت كيف كان قوله { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } جواباً لقوله { لأَقْتُلَنَّكَ } ؟ قلت لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من قبلي ، فلم تقتلني ؟ ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول ؟ فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان . وفيه دليل على أنّ الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق ، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم . وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له ما يبكيك فقد كنت وكنت ؟ قال إني أسمع الله يقول { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } . { مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ } قيل كان أقوى من القاتل وأبطش منه ، ولكنه تحرّج عن قتل أخيه واستسلم له خوفاً من الله لأنّ الدفع لم يكن مباحاً في ذلك الوقت . قاله مجاهد وغيره { إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ } أن تحتمل إثم قتلي لك لو قتلتك وإثم قتلك لي . فإن قلت كيف يحمل إثم قتله له ولا تزر وازرة وزر أخرى ؟ قلت المراد بمثل إثمي على الاتساع في الكلام ، كما تقول قرأت قراءة فلان ، وكتبت كتابته ، تريد المثل وهو اتساع فاش مستفيض لا يكاد يستعمل غيره . ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام 347 " المستبان ما قالا فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم " على أنّ البادي عليه إثم سبه ، ومثل إثم سب صاحبه لأنه كان سبباً فيه ، إلا أن الإثم محطوط عن صاحبه معفوّ عنه ، لأنه مكافىء مدافع عن عرضه . ألا ترى إلى قوله ما لم يعتد المظلوم لأنه إذا خرج من حدّ المكافأة واعتدى لم يسلم . فإن قلت فحين كف هابيل عن قتل أخيه واستسلم وتحرج عما كان محظوراً في شريعته من الدفع ، فأين الإثم حتى يتحمل أخوه مثله فيجتمع عليه الإثمان ؟ قلت هو مقدّر فهو يتحمل مثل الإثم المقدّر ، كأنه قال إني أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت يدي إليك . وقيل بإثمي بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك فإن قلت فكيف جاز أن يريد شقاوة أخيه وتعذيبه النار ؟ قلت كان ظالماً وجزاء الظالم حسن جائز أن يراد . ألا ترى إلى قوله تعالى { وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ } وإذا جاز أن يريده الله ، جاز أن يريده العبد لأنه لا يريد إلا ما هو حسن . والمراد بالإثم وبال القتل وما يجره من استحقاق العقاب ، فإن قلت لم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل وهو قوله { لَئِن بَسَطتَ … مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ } ؟ قلت ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع . ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي ، { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } فوسعته له ويسرته ، من طاع له المرتع إذا اتسع . وقرأ الحسن « فطاوعت » . وفيه وجهان أن يكون مما جاء من فاعل بمعنى فعل ، وأن يراد أنّ قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع ، وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله . وقيل قتل وهو ابن عشرين سنة ، وكان قتله عند عقبة حراء ، وقيل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً } روي أنه أوّل قتيل قتل على وجه الأرض من بني آدم . ولما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به ، فخاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع ، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة { قَالَ يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ } ويروى أنه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض ، فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلاً ، فقال بل قتلته ولذلك اسودِّ جسدك . وروي أن آدم مكث بعد قتله مائة سنة لا يضحك وأنه رثاه بشعر ، وهو كذب بحت ، وما الشعر إلا منحول ملحون . وقد صحّ أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشعر . { لِيُرِيَهُ } ليريه الله . أو ليريه الغراب ، أي ليعلمه لأنه لما كان سبب تعليمه ، فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز { سَوْءَةَ أَخِيهِ } عورة أخيه وما لا يجوز أن ينكشف من جسده . والسوأة الفضيحة لقبحها . قال @ يَا لَقَوْمِ لِلسَّوْأةِ السَّوْآء @@ أي للفضيحة العظيمة فكنى بها عنها { فَأُوَارِيَ } بالنصب على جواب الاستفهام . وقرىء بالسكون على فأنا أواري . أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف { مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } على قتله ، لما تعب فيه من حمله وتحيره في أمره ، وتبين له من عجزه ، وتلمذه للغراب ، واسوداد لونه وسخط أبيه ، ولم يندم ندم التائبين { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } بسبب ذلك وبعلته . وقيل أصله من أجل شرا إذا جناه يأجله أجلاً . ومنه قوله @ وَأَهِل خِبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتُ بَيْنِهِم قَدِ احْتَرَبُوا في عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهْ @@ كأنك إذا قلت من أجلك فعلت كذا ، أردت من أن جنيت فعلته وأوجبته ، ويدل عليه قولهم من جراك فعلته ، أي من أن جررته بمعنى جنيته . وذلك إشارة إلى القتل المذكور ، أي من أن جنى ذلك القتل الكتب وجرّه { كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } ومن لابتداء الغاية ، أي ابتدأ الكتب و نشأ من أجل ذلك . ويقال فعلت كذا لأجل كذا . وقد يقال أجل كذا ، بحذف الجار وإيصال الفعل قال أجل إنّ الله قد فضلكم . وقرىء « من اجل ذلك » ، بحذف الهمزة وفتح النون لإلقاء حركتها عليها . وقرأ أبو جعفر « من إجل ذلك » ، بكسر الهمزة وهي لغة فإذا خفف كسر النون ملقياً لكسرة الهمزة عليها { بِغَيْرِ نَفْسٍ } بغير قتل نفس ، لا على وجه الاقتصاص { أَوْ فَسَادٍ } عطف على نفس بمعنى أو بغير فساد { فِى ٱلأرْضِ } وهو الشرك . وقيل قطع الطريق { وَمَنْ أَحْيَـٰهَا } ومن استنقذها من بعض أسباب الهلكة قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك . فإن قلت كيف شبه الواحد بالجميع وجعل حكمه كحكمهم ؟ قلت لأن كل إنسان يدلي بما يدلي به الآخر من الكرامة على الله وثبوت الحرمة ، فإذا قتل فقد أهين ما كرم على الله وهتكت حرمته وعلى العكس ، فلا فرق إذاً بين الواحد والجميع في ذلك . فإن قلت فما الفائدة في ذكر ذلك ؟ قلت تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ليشمئز الناس عن الجسارة عليها ، ويتراغبوا في المحاماة على حرمتها لأنّ المتعرض لقتل النفس إذا تصوّر قتلها بصورة قتل الناس جميعاً عظم ذلك عليه فثبطه ، وكذلك الذي أراد إحياءها . وعن مجاهد قاتل النفس جزاؤه جهنم ، وغضب الله ، والعذاب العظيم . ولو قتل الناس جميعاً لم يزد على ذلك . وعن الحسن يا ابن آدم ، أرأيت لو قتلت الناس جميعاً أكنت تطمع أن يكون لك عمل يوازي ذلك فيغفر لك به ؟ كلا إنه شيء سوَّلته لك نفسك والشيطان ، فكذلك إذا قتلت واحداً { بَعْدَ ذَلِكَ } بعدما كتبنا عليهم وبعد مجيء الرسل بالآيات { لَمُسْرِفُونَ } يعني في القتل لا يبالون بعظمته .