Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 3-3)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان أهل الجاهلية يأكلون هذه المحرمات البهيمة التي تموت حتف أنفها ، والفصيد وهو الدم في المباعر ، يشونها ويقولون لم يحرم من فزد له { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } أي رفع الصوت به لغير الله ، وهو قولهم باسم اللات والعزى عند ذبحه { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } التي خنقوها حتى ماتت ، أو انخنقت بسبب { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } التي أثخنوها ضرباً بعصا أو حجر حتى ماتت { وَٱلْمُتَرَدّيَةُ } التي تردَّت من جبل أو في بئر فماتت { وَٱلنَّطِيحَةُ } التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } بعضه { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } إلا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح وتشخب أوداجه . وقرأ عبد الله « والمنطوحة » . وفي رواية عن أبي عمرو « السبْع » بسكون الباء . وقرأ ابن عباس « وأكيل السبع » { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها ، ويعظمونها بذلك ويتقرّبون به إليها ، تسمى الأنصاب ، والنصب واحد . قال الأعشى @ وَذَا النَّصْبِ الْمَنْصُوبِ لاَ تَعْبُدَنَّه لِعَاقِبَةٍ وَاللَّهِ رَبَّكَ فَاعْبُدَا @@ وقيل هو جمع ، والواحد نصاب . وقرىء « النصْب » بسكون الصاد { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأزْلاَمِ } وحرّم عليكم الاستقسام بالأزلام أي بالقداح . كان أحدهم إذا أراد سفراً أو غزواً أو تجارة أو نكاحاً أو أمراً من معاظم الأمور ضرب بالقداح ، وهي مكتوب على بعضها نهاني ربي ، وعلى بعضها أمرني ربي ، وبعضها غفل فإن خرج الآمر مضى لطيته ، وإن خرج الناهي أمسك ، وإن خرج الغفل أجالها عوداً . فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالأزلام . وقيل هو الميسر . وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } الإشارة إلى الاستقسام أو إلى تناول ما حرّم عليهم لأنّ المعنى حرّم عليكم تناول الميتة وكذا وكذا . فإن قلت لم كان استقسام المسافر وغيره بالأزلام لتعرف الحال فسقاً ؟ قلت لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوب وقال { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } النمل 65 واعتقاد أنّ إليه طريقاً وإلى استنباطه ، وقوله أمرني ربي ، ونهاني ربي افتراء على الله . وما يدريه أنه أمره أو نهاه . والكهنة والمنجمون بهذه المثابة . وإن كان أراد بالرب الصنم - فقد روي أنهم كانوا يجيلونها عند أصنامهم - فأمره ظاهر { ٱلْيَوْمَ } لم يرد به يوماً بعينه ، وإنما أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية ، كقولك كنت بالأمس شاباً ، وأنت اليوم أشيب ، فلا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك ، ولا باليوم يومك . ونحوه الآن في قوله @ الآنَ لَمَّا ابْيَضَّ مَسْرُبتِي وَعَضَضْتُ مِنْ نَابِي عَلَى جَذَمِ @@ وقيل أريد يوم نزولها ، وقد نزلت يوم الجمعة ، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع { يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } يئسوا منه أن يبطلوه وأن ترجعوا محللين لهذه الخبائث بعد ما حرّمت عليكم . وقيل يئسوا من دينكم أن يغلبوه لأن الله عزّ وجلّ وفىَّ بوعده من إظهاره على الدين كله { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين مقهورين بعدما كانوا غالبين { وَٱخْشَوْنِى } وأخلصوا لي الخشية { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } كفيتكم أمر عدوِّكم ، وجعلت اليد العليا لكم ، كما تقول الملوك اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد ، إذا كفوا من ينازعهم الملك ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم . أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف على الشرائع وقوانين القياس وأصول الاجتهاد { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين ، وهدم منار الجاهلية ومناسكهم وأنَّ لم يحجّ معكم مشرك ، ولم يطف بالبيت عريان . أو أتمتت نعمتي عليكم بإكمال أمر الدين والشرائع كأنه قال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي بذلك ، لأنه لا نعمة أتمّ من نعمة الإسلام { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسلاَمَ دِيناً } يعني اخترته لكم من بين الأديان ، وآذنتكم بأنه هو الدين المرضي وحده { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } آل عمران 85 ، { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } الأنبياء 92 . فإن قلت بم اتصل قوله { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } ؟ قلت بذكر المحرّمات . وقوله { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } اعتراض أكد به معنى التحريم ، وكذلك ما بعده لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملل . ومعناه فمن اضطرّ إلى الميتة أو إلى غيرها { فِى مَخْمَصَةٍ } في مجاعة { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } غير منحرف إليه ، كقولِهِ { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } البقرة 173 . { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } لا يؤاخذه بذلك .