Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 9-10)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
« يوم الجمعة » يوم الفوج المجموع ، كقولهم ضحكة ، للمضحوك منه . و « يوم الجمعة » ، بفتح الميم يوم الوقت الجامع ، كقولهم ضحكة ، ولعنة ، ولعبة ويوم الجمعة تثقيل للجمعة ، كما قيل عسرة في عسر . وقرىء بهن جميعاً . فإن قلت من في قوله { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } ما هي ؟ قلت هي بيان لإذا وتفسير له . والنداء الأذان . وقالوا المراد به الأذان عند قعود الإمام على المنبر ، وقد 1173 كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن واحد ، فكان إذا جلس على المنبر أذن على باب المسجد فإذا نزل أقام للصلاة ، ثم كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما على ذلك حتى إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد مؤذناً آخر ، فأمر بالتأذين الأوّل على داره التي تسمى زوراء ، فإذا جلس على المنبر أذن المؤذن الثاني ، فإذا نزل أقام للصلاة ، فلم يعب ذلك عليه . وقيل أول من سماها « جمعة » كعب بن لؤي ، وكان يقال لها العروبة . وقيل 1174 إنّ الأنصار قالوا لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام ، وللنصارى مثل ذلك فهلموا نجعل لنا يوم نجتمع فيه فنذكر الله فيه ونصلى . فقالوا يوم السبت لليهود ، ويوم الأحد للنصارى ، فاجعلوا يوم العروبة فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة فصلى بهم يومئذٍ ركعتين وذكرهم ، فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه ، فأنزل الله آية الجمعة ، فهي أوّل جمعة ، كانت في الإسلام وأما أوّل جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي 1175 أنه لما قدم المدينة مهاجراً نزل قباء على بني عمرو بن عوف ، وأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة عامداً المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم ، فخطب وصلى الجمعة . وعن بعضهم قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه ، فكذبهم في قوله { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ } وبأنهم أهل الكتاب والعرب لا كتاب لهم فشبههم بالحمار يحمل أسفاراً وبالسبت وأنه ليس للمسلمين مثله فشرع الله لهم الجمعة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1176 " خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أهبط إلى الأرض ، وفيه تقوم الساعة ، وهو عند الله يوم المزيد " وعنه عليه السلام 1177 " أتاني جبريل وفي كفه مرآة بيضاء وقال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك ، وهو سيد الأيام عندنا ، ونحن ندعوه إلى الآخرة يوم المزيد " وعنه صلى الله عليه وسلم 1178 " إنّ لله تعالى في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار " وعن كعب إنّ الله فضل من البلدان مكة ، ومن الشهور رمضان ، ومن الأيام الجمعة . وقال عليه الصلاة والسلام 1179 " من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ، ووقي فتنة القبر " وفي الحديث 1180 " إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب ، يكتبون الأوِّل فالأوَّل على مراتبهم " وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج . وقيل أوّل بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة . وعن ابن مسعود أنه بكر فرأى ثلاثة نفر سبقوه ، فاغتم وأخذ يعاتب نفسه يقول أراك رابع أربعة وما رابع أربعة بسعيد . ولا تقام الجمعة عند أبي حنيفة رضي الله عنه إلا في مصر جامع ، لقوله عليه السلام 1181 " لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع " والمصر الجامع ما أقيمت فيه الحدود ونفذت فيه الأحكام ، ومن شروطها الإمام أو من يقوم مقامه ، لقوله عليه السلام 1182 " فمن تركها وله إمام عادل أو جائر … الحديث " وقوله صلى الله عليه وسلم 1183 " أربع إلى الولاة الفيء ، والصدقات ، والحدود ، والجمعات " فإن أمّ رجل بغير إذن الإمام أو من ولاه من قاض أو صاحب شرطة لم يجز فإن لم يكن الاستئذان فاجتمعوا على واحد فصلى بهم جاز ، وهي تنعقد بثلاثة سوى الإمام . وعند الشافعي بأربعين . ولا جمعة على المسافرين والعبيد والنساء والمرضى والزمنى ، ولا على الأعمى عند أبي حنيفة ، ولا على الشيخ الذي لا يمشي إلا بقائد . وقرأ عمر وابن عباس وابن مسعود وغيرهم « فامضوا » . وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقرأ « فاسعوا » . فقال من أقرأك هذا ؟ قال أبيّ بن كعب ، فقال لا يزال يقرأ بالمنسوخ ، لو كانت { فَٱسْعَوْاْ } لسعيت حتى يسقط ردائي . وقيل المراد بالسعي القصد دون العدو ، والسعي التصرف في كل عمل . ومنه قوله تعالى { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ } الصافات 102 ، { وأن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } النجم 39 وعن الحسن ليس السعي على الأقدام ، ولكنه على النيات والقلوب . وذكر محمد بن الحسن رحمه الله في موطئه أن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي . قال محمد وهذا لا بأس به ما لم يجهد نفسه { إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } إلى الخطبة والصلاة ، ولتسمية الله الخطبة ذكراً له قال أبو حنيفة رحمه الله إن اقتصر الخطيب على مقدار يسمى ذكر الله كقوله الحمد لله ، سبحان الله جاز . وعن عثمان أنه صعد المنبر فقال الحمد لله وأرتج عليه ، فقال إن أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالاً ، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوّال ، وستأتيكم الخطب ، ثم نزل ، وكان ذلك بحضرة الصحابة ولم ينكر عليه أحد . وعند صاحبيه والشافعي لا بد من كلام يسمى خطبة . فإن قلت كيف يفسر ذكر الله بالخطبة وفيها ذكر غير الله ؟ قلت ما كان من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر الله ، فأمّا ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم ، وهم أحقاء بعكس ذلك فمن ذكر الشيطان وهو من ذكر الله على مراحل ، وإذا قال المنصت للخطبة لصاحبه « صه » فقد لغا ، أفلا يكون الخطيب الغالي في ذلك لاغياً ، نعوذ بالله من غربة الإسلام ونكد الأيام . أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا ، وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم ، وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم واجتماعهم واغتصاص الأسواق بهم إذا انتفخ النهار وتعالى الضحى ودنا وقت الظهيرة ، وحينئذٍ تحرّ التجارة ويتكاثر البيع والشراء ، فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد ، قيل لهم بادروا تجارة الآخرة ، واتركوا تجارة الدنيا ، واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح { وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } الذي نفعه يسير وربحه مقارب . فإن قلت فإذا كان البيع في هذا الوقت مأموراً بتركه محرماً ، فهل هو فاسد ؟ قلت عامّة العلماء على أن ذلك لا يوجب فساد البيع . قالوا لأنّ البيع لم يحرم لعينه ، ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب ، فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة والثوب المغصوب ، والوضوء بماء مغصوب ، وعن بعض الناس أنه فاسد . ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار وابتغاء الربح ، مع التوصية بإكثار الذكر ، وأن لا يلهيهم شيء من تجارة ولا غيرها عنه ، وأن تكون هممهم في جميع أحوالهم وأوقاتهم موكلة به لا ينفضون عنه ، لأنّ فلاحهم فيه وفوزهم منوط به ، وعن ابن عباس لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا ، إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة أخ في الله وعن الحسن وسعيد بن المسيب طلب العلم ، وقيل صلاة التطوّع وعن بعض السلف أنه كان يشغل نفسه بعد الجمعة بشيء من أمور الدنيا نظراً في هذه الآية .