Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 5-20)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَيْلاً وَنَهَاراً } دائباً من غير فتور مستغرقاً به الأوقات كلها { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِىۤ } جعل الدعاء فاعل زيادة الفرار . والمعنى على أنهم ازدادوا عنده فراراً لأنه سبب الزيادة . ونحوه { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } التوبة 125 { فَزَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً } التوبة 124 { لِتَغْفِرَ لَهُمْ } ليتوبوا عن كفرهم فتغفر لهم ، فذكر المسبب الذي هو حظهم خالصاً ليكون أقبح لإعراضهم عنه . سدّوا مسامعهم عن استماع الدعوة { وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } وتغطوا بها ، كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم ، أو تغشيهم لئلا يبصروه كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله . وقيل لئلا يعرفهم ويعضده قوله تعالى { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } هود 5 ، الإصرار من أصر الحمار على العانة إذا صرّ أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها استعير للإقبال على المعاصي والإكباب عليها { وَٱسْتَكْبَرُواْ } وأخذتهم العزة من اتباع نوح وطاعته ، وذكر المصدر تأكيد ودلالة على فرط استقبالهم وعتوهم . فإن قلت ذكر أنه دعاهم ليلا ونهاراً ، ثم دعاهم جهاراً ، ثم دعاهم في السر والعلن فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف . قلت قد فعل عليه الصلاة والسلام كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في الابتداء بالأهون والترقي في الأشد فالأشد ، فافتتح بالمناصحة في السر ، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة ، فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان . ومعنى { ثُمَّ } الدلالة على تباعد الأحوال ، لأن الجهار أغلظ من الإسرار والجمع بين الأمرين ، أغلظ من إفراد أحدهما . و { جِهَـارَاً } منصوب بدعوتهم ، نصب المصدر لأنّ الدعاء أحد نوعيه الجهار ، فنصب به نصب القرفصاء بقعد ، لكونها أحد أنواع القعود . أو لأنه أراد بدعوتهم جاهرتهم . ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا ، بمعنى دعاء جهاراً ، أي مجاهراً به . أو مصدراً في موضع الحال ، أي مجاهراً . أمرهم بالاستغفار الذي هو التوبة عن الكفر والمعاصي ، وقدّم إليهم الموعد بما هو أوقع في نفوسهم وأحبّ إليهم من المنافع الحاضرة والفوائد العاجلة ، ترغيباً في الإيمان وبركاته والطاعة ونتائجها من خير الدارين ، كما قال { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّن ٱللَّهِ } الصف 13 ، { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ } الأعراف 96 ، { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ لاَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ } المائدة 66 ، { وَأنَّ لو ٱسْتَقَـٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَـٰهُم } الجن 16 ، وقيل لما كذبوه بعد طول تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة . وروي سبعين فوعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم الله تعالى الخصب ودفع عنهم ما كانوا فيه . وعن عمر رضي اللَّه عنه أنه خرج يستسقي ، فما زاد على الاستغفار ، فقيل له ما رأيناك استسقيت ! فقال لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر شبه الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطىء وعن الحسن أنّ رجلاً شكا إليه الجدب فقال استغفر الله وشكا إليه آخر الفقر ، وآخر قلة النسل ، وآخر قلة ريع أرضه ، فأمرهم كلهم بالاستغفار ، فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أبواباً ويسألون أنواعاً ، فأمرتهم كلهم بالاستغفار ! فتلا له هذه الآية . والسماء المظلة لأنّ المطر منها ينزل إلى السحاب ويجوز أن يراد السحاب أو المطر ، من قوله @ إذَا نَزَلَ السَّمَاءِ بِأَرْضِ قَوْمٍ @@ والمدرار الكثير الدرور ، ومفعال مما يستوى فيه المذكر والمؤنث ، كقولهم رجل أو امرأة معطار و متفال جَنَّـٰتٍ بساتين { لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } لا تأملون له توقيراً أي تعظيماً . والمعنى ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب ، و { لِلَّهِ } بيان للموقر ، ولو تأخر لكان صلة للوقار . وقوله { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } في موضع الحال ، كأنه قال ما لكم لا تؤمنون باللَّه والحال هذه وهي حال موجبة للإيمان به ، لأنه خلقكم أطواراً أي تارات خلقكم أوّلا تراباً ، ثم خلقكم نطفاً ، ثم خلقكم علقاً ، ثم خلقكم مضغاً ، ثم خلقكم عظاماً ولحماً ، ثم أنشأكم خلقاً آخر . أولا تخافون لله حلماً وترك معاجلة العقاب فتؤمنوا ؟ وقيل ما لكم لا تخافون لله عظمة ؟ وعن ابن عباس لا تخافون لله عاقبة ، لأن العاقبة حال استقرار الأمور وثبات الثواب والعقاب ، من « وقر » إذا ثبت واستقرّ . نبههم على النظر في أنفسهم أوّلاً لأنها أقرب منظور فيه منهم ، ثم على النظر في العالم وما سوّى فيه من العجائب الشاهدة على الصانع الباهر قدرته وعلمه من السموات والأرض والشمس والقمر { فِيهِنَّ } في السموات ، وهو في السماء الدنيا لأنّ بين السموات ملابسة من حيث أنها طباق فجاز أن يقال فيهنّ كذا وإن لم يكن في جميعهنّ ، كما يقال في المدينة كذا وهو في بعض نواحيها . وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنّ الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء وظهورهما مما يلي الأرض { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } يبصر أهل الدنيا في ضوئها كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون إلى أبصاره ، والقمر ليس كذلك ، إنما هو نور لم يبلغ قوّة ضياء الشمس . ومثله قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً } يونس 5 ، والضياء أقوى من النور . استعير الإنبات للإنشاء ، كما يقال زرعك الله للخير ، وكانت هذه الاستعارة أدلّ على الحدوث ، لأنهم إذا كانوا نباتاً كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات ومنه قيل للحشوية النابتة والنوابت ، لحدوث مذهبهم في الإسلام من غير أوّلية لهم فيه . ومنه قولهم نجم فلان لبعض المارقة . والمعنى أنبتكم فنبتم نباتاً . أو نصب بأنبتكم لتضمنه معنى نبتم { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا } مقبورين ثم { يُخْرِجُكُمْ } يوم القيامة ، وأكده بالمصدر كأنه قال يخرجكم حقاً ولا محالة جعلها بساطاً مبسوطة تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه { فِجَاجاً } واسعة منفجة .