Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 10-11)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فإن قلت إلام يرجع الضمير في { وَمَا جَعَلَهُ } ؟ قلت إلى قوله { أَنّي مُمِدُّكُمْ } الأنفال 9 لأن المعنى فاستجاب لكم بإمدادكم . فإن قلت ففيمن قرأ بالكسر ؟ قلت إلى قوله { إِنّي مُمِدُّكُمْ } لأنه مفعول القول المضمر فهو في معنى القول . ويجوز أن يرجع إلى الإمداد الذي يدل عليه ممدّكم { إِلاَّ بُشْرَىٰ } إلا بشارة لكم بالنصر ، كالسكينة لبني إسرائيل ، يعني أنكم استغثتم وتضرعتم لقلتكم وذلتكم ، فكان الإمداد بالملائكة بشارة لكم بالنصر ، وتسكيناً منكم ، وربطاً على قلوبكم { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } يريد ولا تحسبوا النصر من الملائكة ، فإن الناصر هو الله لكم وللملائكة . أو وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا من عند الله ، والمنصور من نصره الله . { إِذْ يُغَشِّيكُمُ } بدل ثان من { إِذْ يَعِدُكُمُ } الأنفال 7 أو منصوب بالنصر ، أو بما في { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } الأنفال 10 من معنى الفعل ، أو بما جعله الله ، أو بإضمار اذكر . وقرىء « يغشيكم » بالتخفيف والتشديد ونصب النعاس والضمير لله عزّ وجل . و { أَمَنَةً } مفعول له . فإن قلت أما وجب أن يكون فاعل الفعل المعلل والعلة واحداً ؟ قلت بلى ، ولكن لما كان معنى يغشاكم النعاس . تنعسون ، انتصب أمنة على أن النعاس والأمنة لهم . والمعنى إذ تنعسون أمنة بمعنى أمنا ، أي لأمنكم ، و { مِّنْهُ } صفة لها أي أمنة حاصلة لكم من الله عزّ وجلّ . فإن قلت فعلى غير هذه القراءة قلت يجوز أن تكون الأمنة بمعنى الإيمان ، أي ينعسكم إيماناً منه . أو على يغشيكم النعاس فتنعسون أمناً ، فإن قلت هل يجوز أن ينتصب على أنّ الأمنة للنعاس الذي هو فاعل يغشاكم ؟ أي يغشاكم النعاس لأمنه على أن إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة ، أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم ؟ وإنما غشيكم أمنة حاصلة من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل ؟ قلت لا تبعد فصاحة القرآن عن احتماله ، وله فيه نظائر ، وقد ألم به من قال @ يَهَابُ النوْمُ أَنْ يَغْشَى عُيُونا تَهَابُكَ فَهُوَ نَفَّارٌ شَرُودُ @@ وقرىء « أمنة » بسكون الميم . ونظير « أمن أمنة » « حيي حياة » ونحو « أمن أمنة » « رحم رحمة » والمعنى أن ما كان بهم من الخوف كان يمنعهم من النوم ، فلما طمأن الله قلوبهم وأمنهم رقدوا وعن ابن عباس رضي الله عنه النعاس في القتال أمنة من الله ، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان { وَيُنَزِّلُ } قرىء بالتخفيف والتثقيل . وقرأ الشعبي « ما ليطهركم به » قال ابن جني ما موصولة وصلتها حرف الجر بما جره ، فكأنه قال ما للطهور . و { رِجْزَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } وسوسته إليهم ، وتخويفه إياهم من العطش . وقيل الجنابة ، لأنها من تخييله . وقرىء « رجس الشيطان » وذلك أن إبليس تمثل لهم ، وكان المشركين قد سبقوهم إلى الماء ونزل المسلمون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء ، وناموا فاحتلم أكثرهم ، فقال لهم أنتم يا أصحاب محمد تزعمون أنكم على الحق وأنكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على حق ما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا وساقوا بقيتكم إلى مكة ، فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا ، فأنزل الله عز وجل المطر ، فمطروا ليلاً حتى جرى الوادي واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الحياض على عدوة الوادي ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا وتوضؤوا ، وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس . والضمير في { بِهِ } للماء . ويجوز أن يكون للربط ، لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ثبتت القدم في مواطن القتال .