Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 15-16)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فإن قلت بم اتصل قوله { فَأَمَّا ٱلإِنسَـٰنُ } ؟ قلت بقوله { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } كأنه قيل إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة ، وهو مرصد بالعقوبة للعاصي فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها . فإن قلت فكيف توازن قوله ، فأما الإنسان ، { إِذَا مَا ٱبْتَلـٰهُ رَبُّهُ } وقوله { وَأَمَّا إِذَا مَا ٱبْتَلَـٰهُ } وحق التوازن أن يتقابل الواقعان بعد أما وأما ، تقول أما الإنسان فكفور ، وأما الملك فشكور . أما إذا أحسنت إلى زيد فهو محسن إليك وأما إذا أسأت إليه فهو مسيء إليك ؟ قلت هما متوازنان من حيث إنّ التقدير وأما هو إذا ما ابتلاه ربه وذلك أن قوله { فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ } خبر المبتدأ الذي هو الإنسان ، ودخول الفاء لما في « أما » من معنى الشرط ، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في تقدير التأخير ، كأنه قيل فأما الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتلاء ، فوجب أن يكون { فَيَقُولُ } الثاني خبر لمبتدأ واجب تقديره . فإن قلت كيف سمي كلا الأمرين من بسط الرزق وتقديره ابتلاء ؟ قلت لأنّ كل واحد منهما اختبار للعبد ، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر ؟ وإذا قدر عليه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع ؟ فالحكمة فيهما واحدة . ونحوه قوله تعالى { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } الأنبياء 35 ، فإن قلت هلا قال فأهانه وقدر عليه رزقه ، كما قال فأكرمه ونعمه ؟ قلت لأن البسط إكرام من الله لعبده بإنعامه عليه متفضلاً من غير سابقة ، وأما التقدير فليس بإهانة له لأنّ الإخلال بالتفضل لا يكون إهانة ، ولكن تركا للكرامة ، وقد يكون المولى مكرماً لعبده ومهيناً له ، وغير مكرم ولا مهين وإذا أهدى لك زيد هدية قلت أكرمني بالهدية ، ولا تقول أهانني ولا أكرمني إذا لم يهد لك . فإن قلت فقد قال { فَأَكْرَمَهُ } فصحح إكرامه وأثبته ، ثم أنكر قوله { رَبّى أَكْرَمَنِ } وذمّه عليه ، كما أنكر قوله { أَهَانَنِ } وذمّه عليه . قلت فيه جوابان ، أحدهما أنه إنما أنكر قوله ربي أكرمن وذمّه عليه ، لأنه قال على قصد خلاف ما صححه الله عليه وأثبته ، وهو قصده إلى أنّ الله أعطاه ما أعطاه إكراماً له مستحقاً مستوجباً على عادة افتخارهم وجلالة أقدارهم عندهم ، كقوله { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى } القصص 78 ، وإنما أعطاه الله على وجه التفضل من غير استيجاب منه له ولا سابقة ما لا يعتدّ الله إلا به ، وهو التقَّوى دون الأنساب والأحساب التي كانوا يفتخرون بها ويرون استحقاق الكرامة من أجلها . والثاني أن ينساق الإنكار والذمّ إلى قوله { رَبّى أَهَانَنِ } يعني أنه إذا تفضل عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضل الله وإكرامه ، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك التفضل هواناً وليس بهوان ، ويعضد هذا الوجه ذكر الإكرام في قوله { فَأَكْرَمَهُ } وقرىء « فقدر » بالتخفيف والتشديد وأكرمن ، وأهانن بسكون النون في الوقف ، فيمن ترك الياء في الدرج مكتفياً منها بالكسرة .