Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 74-74)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم … } جعل الزمخشري العطف بـ " ثم " لبعد ما بين منزلة الإيمان والكفر . قال ابن عرفة : ولا ( يبعد ) أن تكون على بابها . ( فرد عليه بأن جعل ) بعد ذلك لابتداء الغاية ( فتناقض ) مهلة " ثم " ؟ فأجاب بأن دلالة " ثمّ " على المهلة نص لا يحتمل غيره ، فهو أقوى من دلالة " من " على ابتداء الغاية . وقال أبو حيان : السياق يقتضي أنها لبعد ما بين المنزلتين . ورده ابن عرفة بأن الأصوليين رجّحوا الدلالة باللّفظ على الدلالة المفهومة من السياق . قيل لابن عرفة : يلزم ( على ما قلت ) أن يكونوا مرّ عليهم ( زمَن ) هم فيه مؤمنون ؟ فقال : نعم وهو المناسب وهو الزمن الذي كان فيه الرّسول موسى بين أظهرهم ، وظاهر الآية أن العقل في القلب . قوله تعالى : { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً … } . منع أبو حيان أن تكون الكاف بمعنى " مثل " محتجا بأنه ليس مذهب سيبويه . وأجاب ابن عرفة بأن ذلك إنما هو إذا جعلها حرفا . ونحن نقول : إنها اسم . وأورد الشيخ الطيبي : أن القلوب شبهت بالحجارة مع أن المشبه بالحجارة إنما هو قسوتها ( شبيهة ) بقسوة الحجارة . وأجاب : بأن التشبيه في الحقيقة راجع للقسوة ، أي ( صلبت ) وخلت من ( الإنابة ) والإذعان ( لآيات الله تعالى ) . قاله ( ابن عطية ) . قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد قلوب ( ورثة ) القتيل لَمّا ( أخبرَ ) بمن قتله ومات قالوا : كذب . قال ابن عرفة : فالمراد أنّها دامت على القسوة ، أو زادت قسوتها لأنهم لم يزالوا قبل ذلك منكرين للقتل ، قال : ويضعف هذا بأنه لما قتل قاتل القتيل انقطعت تلك القسوة فلم يبق من هو متصف بها . وجعل السّكاكي هذا من ( ترشيح ) المجاز . قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ … } . قال الطيبي : إنّها تذليل لما قبلها لأنها في معناها . قال ابن عرفة : الصواب أنها تعليل أو بيان للوجه الّذي كانت به أشدّ من الحجارة ودليل عليه . وهذا تدلي أو ترقي الذّمّ وهو أولى من العكس لأن الحجارة التي تتفجر منها ( الأنهار ) أفضل وأعلى من الحجارة التي تنشق فيخرج منها الماء . ويلزم من كونها أشد قسوة من التي تنشق فيخرج منها الماء أن تكون أشد قسوة من المتفجرة عن الأنهار فلذلك أتى به بعده . ولو قيل : إن من الحجارة لما ( ينشق ) فيخرج ( منها ) الماء ، وإن منها لما يتفجر منه الأنهار لكان تأكيدا . انتهى . قوله تعالى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ … } . قال ابن عرفة : يؤخذ من الآية أنّ الأفضلية ثبتت للجنس بثبوتها لبعض أفراده لأنّ الحجارة الموصوفة بذلك هي بعض من كل ، وقد ثبت التفضيل للجميع بقوله : فهي كالحجارة ، ولم يقل فهي كالحجارة الموصوفة بكذا ، والحجارة عام إما بالألف واللام ( أو ) بالسياق فقد فضل عليهم جميع الحجارة . قيل لابن عرفة : هذا تقسيم مستوفى فليس ( من الحجارة ) شيء إلا داخل فيه ؟ فقال : الحجارة التي تتفجر منها الأنهار ، والتي تنشق عن الماء لا قساوة فيها بوجه ، وهم إنّما ذُمّوا بمشاركتهم للأحجار في القساوة مع الزيادة عليها فقد فضلت عليهم الحجارة القاسية لكونها من جنس ما هو غير قاس . قيل له : فكل ما نراه من الأحجار ساقطا من فوق ، هلا تقول : إنه ( هبط ) من خشية الله ؟ فقال : ( ( الآية إنما دلت على ( أن ) بعض الحجارة يهبط ) ) من خشية الله لا كلها ، وكل ما نراه هابطا يجوز أن يكون هبوطه من خشية الله . قال الفخر : وهذا مثل قوله تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } قال ابن عرفة : ليست مثلها لأن تلك شرطية ، والشرط قد يتركب من المحال بخلاف هذه . قال : وقوله : { مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } هو قيد في الجميع ، لأن تفجر الأنهار أيضا من خشية الله .