Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 107-112)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلأَرْضُ } : يُرْوَى عن ابن عباس : أَنَّ اللَّه خلق السمٰوات والأرْضَ مِنْ نُورِ العَرْشِ ، ثم يردهما إِلى هنالك في الآخرة ، فلهما ثَمَّ بَقَاءٌ دائمٌ ، وقيل : معنى : { مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلأَرْضُ } : العبارة عن التأبيدِ بما تَعْهَدُهُ العرب ، وذلك أنَّ من فصيح كلامِهَا ، إِذا أرادَتْ أَن تخبر عَنْ تأبيد شيء أنْ تقول : لاَ أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا أَمَدَ الدهْرِ ، وما نَاحَ الحَمَامُ ، وما دامت السمٰوات والأرْضُ ، وقيل غير هذا . قال * ص * : وقيل : المراد سَمٰواتُ الآخرةِ ، وأَرْضها ؛ يدلُّ عليه قوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [ إبراهيم : 48 ] انتهى . وأما قوله : { إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ } : في ٱلاستثناء ثلاثةُ أقوالٍ : أحدها : أنه متَّصل ، أي : إِلا ما شاء ربُّكَ من إِخراج الموحِّدين ؛ وعلَى هذا يكونُ قوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ … } عاماً في الكَفَرَةِ والعُصَاةِ ، ويكون ٱلاستثناء من { خَـٰلِدِينَ } ، وهذا قولُ قتادة وجماعةٍ . الثَّاني : أنَّ هذا ٱلاستثناء ليس بمتَّصل ولا منقطعٍ ، وإِنما هو على طريق ٱلاستثناء الذي نَدَبَ إِليه الشَّرْعُ في كلِّ كلام ؛ فهو على نحو قوله : { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَاءَ ٱللَّهُ } [ الفتح : 27 ] . الثالث : أَنَّ « إِلا » في هذه الآية بمعنى « سوى » ، وٱلاستثناء منقطعٌ ، وهذا قول الفَرَّاء ، فإِنه يقدِّر ٱلاستثناء المنقطع بـــ « سِوَى » وسيبَوَيْهِ يقدِّره بـــ « لكن » ، أيْ : سوَى ما شاء اللَّه زائداً على ذلك ؛ ويؤيِّد هذا التأويلَ قوله بَعْدُ : { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } ، وقيل : سِوَى ما أعد اللَّه لهم من أنواعِ العَذَاب ، وأشدُّ من ذلك كلِّه سَخَطُهُ سبحانه عليهم ، وقيل : ٱلاستثناء في الآيتين من الكَوْنِ في النار والجنَّة ، وهو زمانُ المَوْقِفِ ، وقيل : ٱلاستثناءُ ؛ في الآية الأولى : من طُول المُدَّة ، وذلك على ما روي أَنَّ جهنم تَخْرَبُ ، ويُعْدَمُ أهلُها ، وتخفقْ أبوابُهَا ، فهم على هذا يَخْلُدون حتَّى يصير أمرهم إِلى هذا . قال * ع * : وهذا قولٌ محتملٌ ، والذي رُوِيَ ونُقِل عن ابن مسعود وغيرهِ أنَّ ما يخلى من النَّار إِنما هو الدَّرْكُ الأَعلى المختصُّ بعصاة المؤمنين ، وهذا الذي يسمَّى جَهَنَّمَ ، وسُمِّي الكلُّ به تجوُّزاً . * ت * : وهذا هو الصوابُ - إِن شاء اللَّه - وهو تأويل صاحب « العاقبة » ؛ أنَّ الذي يَخْرَبُ ما يَخُصُّ عصاةَ المُؤْمِنِين ، وتقدَّم الكلام على نظير هذه الآية ، وهو قوله في « الأنعام » : { خَـٰلِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [ الأنعام : 128 ] . قال * ع * : والأقوال المترتِّبة في ٱلاستثناءِ الأوَّلِ مرتبةٌ في ٱلاستثناء الثاني في الذين سعدوا إِلاَّ تأويلَ مَنْ قال : هو ٱستثناء المدة التي تخرَبُ فيها جهنَّم ؛ فإِنه لا يترتَّب هنا ، والـــ { مَجْذُوذٍ } : المقْطُوع ، والإِشارة بقوله : { مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاءِ } إِلى كفَّار العرب ، { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } معناه : من العقوبةِ ، وقال الداوديُّ عن ابن عباس : { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ } : قال : ما قُدِّر لهم من خَيْرٍ وشرٍّ انتهى . وقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } : أي : ٱخْتَلَفَ الناسُ عَلَيْه ، فلا يَعْظُم عليك ، يا محمَّد ، أمْرُ مَنْ كذَّبك . وقال * ص * : « فيه » : الظاهرُ عودُهُ على الكتاب ، ويجوزُ أنْ يعود على موسَى ، وقيل : « في » بمعنى « على » ، أي : عليه ، انتهى . والـــ { كَلِمَةٌ } ؛ هنا عبارةٌ عن الحُكْم والقضاء { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } : أي : لَفُصِلَ بين المُؤمن والكافر ؛ بنعيم هذا وعذاب هذا ، ووَصَفَ الشَّك بالريب ؛ تقويةً لمعنى الشك ، فهذه الآية يحتملُ أنْ يكونَ المراد بها أمة موسَى ، ويحتمل أن يراد بها معاصرو النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأنْ يعمهم اللفظ أحْسَن ، ويؤيِّده قوله : { وَإِنَّ كُـلاًّ } ، وقرأ نافع وابن كثير : « وإِنْ كُلاًّ لَمَا » وقرأ أبو عمرو ، والكسائِيُّ بتشديد « إِنَّ » ، وقرأ حمزة وحَفْص بتشديد « إِنَّ » ، وتشديد « لَمَّا » ، فالقراءتان المتقدِّمتان بمعنًى فـــ « إِنَّ » فيهما على بابها ، و « كُلاًّ » ، اسمها ، وعُرْفُها أنْ تدخل على خبرها لامٌ ، وفي الكلام قَسَمٌ تدخُلُ لامه أيضاً على خبر « إِنَّ » ، فلما اجتمع لامَانِ ، فُصِلَ بينهما بـــ « ما » ؛ هذا قول أبي عليٍّ ، والخبر في قوله : { لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } ، وهذه الآية وعيدٌ ، ومعنى الآية : أنَّ كل الخَلْقِ موفًّى في عَمَلَهُ . وقوله عز وجل : { فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ } : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بٱلاستقامةِ ، وهو عليها إِنما هو أمر بالدَّوَام والثبوت ، وهو أمر لسائر الأمَّة ، وروي أنَّ بعض العلماء رأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوْمِ ، فقال : يَا رَسُولَ اللَّه ، بَلَغَنَا عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ : « شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا » ، فَمَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنْ هُودٍ ؟ فَقالَ لَهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } . قال * ع * : والتأويل المشهور في قوله عليه السلام : « شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا » أَنه إِشارة إِلى ما فيها مما حَلَّ بالأُممِ السالفةِ ، فكأَنَّ حَذَرَهُ على هذه مِثْلَ ذلك شَيَّبه عليه السلام .