Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 113-115)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ … } الآية : الرُّكُون : السُّكون إِلى الشيْء ، والرضا به ، قال أبو العالية : الركُونُ : الرِّضَا . قال ابنُ زَيْد : الرُّكُون : ٱلادِّهان . قال * ع * : فالركون يقع على قليلِ هذا المعنَى وكثيرِهِ ، والنهْيُ هنا يترتَّب من معنى الركُونِ على المَيْلِ إِلَيهم بالشِّرْك معهم إِلى أقلِّ الرُّتَبِ مِنْ ترك التَّغْيير عليهم مع القُدْرة ، و { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } هنا : هم الكَفَرَة ، ويدخُلُ بالمعنى أَهْلُ المعاصي . وقوله سبحانه : { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ … } الآية : لا خلاف أنَّ { ٱلصَّلَوٰةَ } في هذه الآية يرادُ بها الصلواتُ المفروضةُ ، واختلفَ في طرفَيِ النَّهار وزُلَفِ اللَّيْل ، فقيل : الطَّرَف الأوَّل : الصُّبْح ، والثَّاني : الظُّهْر والعَصْر ، والزُّلَف : المغرب والعشاء ؛ قاله مجاهد وغيره ، " وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ فِي المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ : « هُمَا زُلْفَتَا اللَّيْلِ » " وقيل : الطَرَفُ الأوَّل : الصبحُ ، والثاني : العصر ؛ قاله الحسن وقتادة ، والزُّلَف : المغرب والعشاء ، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول ، بل هي في غيرها . قال * ع * : والأول أحسن الأقوالِ عِنْدِي ، ورجَّح الطبريُّ القوْلَ بأن الطرفين الصُّبْح والمغرب ، وهو قول ابن عبَّاس وغيره ، وإِنه لظاهر ، إِلا أن عموم الصلوات الخمْسِ بالآية أَولَى ، والزّلَف : الساعاتُ القريبُ بعضُها من بَعْضٍ . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـٰتِ } ، ذهب جمهورُ المتأوِّلين من صَحَابَةٍ وتابعينَ إِلى أن الحسناتِ يرادُ بها الصَلواتُ الخَمْسُ ، وإِلى هذه الآية ذهَبَ عثْمانُ رضي اللَّه عنه في وضوئه على المَقَاعِدِ ، وهو تأويلُ مالك ، وقال مجاهد : { ٱلْحَسَنَـٰتِ } : قول الرجُلِ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ للَّهِ ، وَلاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّهُ ، واللَّهُ أَكْبَرُ . قال * ع * : وهذا كلُّه إِنما هو على جهة المِثَالِ في الحسنات ، ومِنْ أجل أنَّ الصلواتِ الخمْسَ هي معظَمُ الأعمال ، والذي يظهر أنَّ لفظ الآية عامٌّ في الحسنات ، خاصٌّ في السيئات ؛ بقوله عليه السلام : « مَا ٱجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ » ، وروي " أنَّ هذه الآية نزلَتْ في رجلٍ من الأنصار ، وهو أبو اليُسْرِ بْنُ عَمْرو ، وقيل : اسمه عَبَّاد ، خَلاَ بامرأةٍ ، فقَبَّلها ، وتلذَّذ بها فيما دُونَ الجِمَاع ، ثم جاء إِلى عُمَر ، فشكا إِليه ، فقال له : قَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ ، فَٱسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ ، فَقَلِقَ الرجُلُ ، فجاء أبا بَكْر ، فشكا إِليه ، فقال له مثْلَ مقالةِ عُمَرَ ، فَقَلِقَ الرجُلُ ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَصَلَّى معه ، ثم أخبره ، وقال : ٱقْضِ فيَّ ما شِئْتَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لَعَلَّهَا زَوْجَةُ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ ! » قَالَ : نَعَمْ ، فَوَبَّخَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : « مَا أَدْرِي » ، فنزلَتْ " هذه الآية ، فَدَعَاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَتَلاَهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَهَذَا لَهُ خَاصَّةً ؟ فَقَالَ : « بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً » . قال ابنُ العربيِّ في « أحكامه » : وهذا الحديثُ صحيحٌ ، رواه الأئمةِ كلُّهم ، انتهى . قال * ع * : ورُوِيَ : أن الآية قدْ كَانَتْ نزلَتْ قبْلَ ذلك ، واستعملها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الرَّجُل ، وروي أنَّ عمر قال مَا حُكِيَ عن معاذٍ ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ : " الجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ ، وَالصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا ؛ إِنِ ٱجْتُنِبَتِ الكبائر " . وقوله : { ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ } : إِشارة إِلى الصلوات ، أي : هي سببُ الذكْرَى ، وهي العظَةُ ، ويحتملُ أنْ تكونَ إِشارةً إِلى الإِخبار بأن الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئَاتِ . ويحتملُ أنْ تكون إِشارةً إِلى جميعِ ما تقدَّم من الأوامر والنواهِي والقَصَص في هذه السُّورة ، وهو تفسيرُ الطبريُّ .