Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-22)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ } : قيل : إِن السيارة جاءَتْ في اليومِ الثاني من طرحه ، و « السيارةُ » : بتاءُ مبالغةٍ للذين يردِّدون السيْرَ في الطُرق . قال * ص * : و « السَّيَّارَة » : جمع سَيَّار ، وهو الكثيرُ السَّيْر في الأرض . انتهى . و « الوَارد » : هو الذي يأتي الماءَ يستَقي منه لجماعته ، وهو يَقَعُ على الواحدِ وعلى الجَمَاعَةِ . وروي أنَّ مُدْلِيَ الدَّلْو كان يسمَّى مَالِكَ بْنَ دعر ، ويروَى أَنَّ هذا الجُبَّ كان بالأُرْدُنِّ على ثلاثةِ فراسِخَ من منزل يَعْقُوبَ ، ويقال : أدلَى دلْوَهُ ؛ إِذا ألقاه ليستقِيَ الماءَ ، وفي الكلام حذفٌ ، تقديره : فتعلَّق يوسُفُ بالحَبْل ، فلما بَصُرَ به المُدْلِي ، قال : { يَٰبُشْرَاي } ، وروي أنَّ يوسُفَ كان يومئِذٍ ابنَ سَبْعَ سِنينَ ؛ ويرجِّح هذا لفظةُ { غُلاَمٌ } ؛ فإِنها لِمَا بَيْنَ الحولَيْن إِلى البلوغِ ، فإِن قيلتْ فيما فَوْقَ ذلك ، فعلى ٱستصحابِ حالٍ ، وتجوُّزٍ ، وقرأَ نافعٌ وغيره : « يا بُشْرَايَ » بإِضافةِ البُشْرَى إِلى المتكلِّم ، وبفتح الياء على ندائها ؛ كأنه يقولُ : ٱحْضُرِي ، فهذا وَقْتُكِ ، وقرأ حمزة والكسائي : « يَا بُشْرى » ، ويميلاَنِ ولا يضيفَانِ ، وقرأ عاصمٌ كذلك إِلاَّ أَنه يفتح الراءَ ولا يُمِيلُ ، واختلف في تأويل هذه القراءة ، فقال السدي : كان في أصحاب هذا الوارد رَجُلٌ ٱسمه « بُشْرَى » ؛ فناداه ، وأعلمه بالغلامِ ، وقيل : هو على نداءِ البُشْرَى ؛ كما قدَّمنا . وقوله سبحانه : { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } قال مجاهد : وذلك أنَّ الوُرَّاد خَشُوا من تُجَّار الرفْقة ، إِنْ قالوا وجدْنَاه ؛ أنْ يشاركوهم في الغُلاَمِ الموجُودِ ، يعني : أو يمنعوهم من تملُّكه ، إِن كانوا أخياراً ، فأسروا بينهم أنْ يقولُوا : أَبْضَعَهُ مَعَنَا بعْضُ أهْلِ المِصْرِ ، و « بِضَاعة » : حالٌ ، والبضاعة : القطعةُ من المالِ يُتْجَرُ فيها بِغَيْرِ نصيبٍ من الرِّبْحِ ؛ مأخوذة من قولهم : « بَضْعَة » ؛ أي : قطعة ، وقيل : الضمير في « أَسَرُّوه » يعود على إِخوة يوسف . وقوله سبحانه : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } : « شروه » ؛ هنا : بمعنى بَاعُوه ، قال الداوديُّ : وعن أبي عُبَيْدة : { وَشَرَوْهُ } أي : باعوه ، فإِذا ٱبْتَعْتَ أَنْتَ ، قُلْتَ : ٱشْتَريْتُ انتهى ، وقال ابن العربيِّ في « أحكامه » : قوله تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } : يقال : ٱشتريْتُ بمعنى بِعْتُ ، وَشَرَيْتُ بمعنى ٱشتريْتُ ؛ لغة انتهى ، وعلى هذا ، فلا مانِعَ مِنْ حمل اللفظ على ظاهره ، ويكون « شَرَوْهُ » بمعنى : « ٱشتروه » . قال * ع * : روي أن إِخوة يُوسُفَ لمَّا علموا أن الوُرَّاد قد أخذوه جاؤوهم ، فقالوا : هذا عَبْدٌ قد أَبَقَ منا ، ونحنُ نبيعُهُ منكم ، فقارَّهم يوسُفُ على هذه المقالة ؛ خوفاً منهم ، ولينفذ اللَّه أمره ، والــ { بَخْسٍ } : مصدر وُصِفَ به الثمن ، وهو بمعنى النَّقْصِ . وقوله : { دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ } : عبارةٌ عن قلة الثمن ؛ لأنها دراهم ، لم تبلغْ أنْ توزَنَ لقلَّتها ، وذلك أنهم كانوا لا يزنُونَ ما كان دون الأوقية ، وهي أربعون درهماً . وقوله سبحانه : { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ } : وصفٌ يترتب في إِخوة يوسف ، وفي الوُرَّاد ، ولكنَّه في إِخوة يوسف أرتَبُ ؛ إِذ حقيقة الزهْدِ في الشيء إِخراجُ حُبِّه من القَلْبِ ورَفْضُهُ من اليدِ ، وهذه كانَتْ حالَ إِخوة يوسُفٌ في يوسُفَ ، وأمَّا الورَّاد ، فإِنَّ تمسُّكَهم به وتَجْرَهُمْ يمانِعُ زُهْدَهم إِلا على تجوُّزٍ ، قال ابْن العربيِّ في « أحكامه » : { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ } : أي : إِخوته والواردة ، أَما إِخوته ؛ فلأنَّ مقصودهم زوالُ عَيْنِه ، وأما الواردة ، فلأنهم خافوا ٱشتراك أصحابهم معهم . انتهى . وقوله سبحانه : { وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا } : روي أنَّ مبتاع يوسُفَ وَرَدَ به مصْرَ البلدِ المعروفِ ؛ ولذلك لا ينصرفُ ، فَعَرَضَهُ في السُّوقِ ، وكان أجْمَلَ الناس ، فوقَعَتْ فيه مزايدةٌ حتى بلغ ثمناً عظيماً ، فقيل : وزنه من ذهبٍ ، ومن فضةٍ ، ومن حريرٍ ، فٱشتراه العزيزُ ، وهو كان حَاجِبَ المَلِكِ وخازِنَة ، وٱسْمُ المَلِك الرَّيَّانُ بْنُ الوَلِيدِ ، وقيل : مُصْعَبُ بْنُ الرَّيَّانِ ، وهو أحد الفراعِنَةِ ، واسمُ العزيزِ المذْكُورِ : « قطيفين » ؛ قاله ابن عباس ، وقيل : « أظفير » ، وقيل : « قنطور » ، وٱسم امرأته : « رَاعيل » ، قاله ابنُ إِسحاق ، وقيل : « زُلَيْخَا » ، قال البخاريُّ : و { مَثْوَاهُ } : مَقَامُهُ . وقوله : { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } أي : نتبنَّاه ، وكان فيما يُقَالُ : لا ولد له ، ثم قال تعالى : { وَكَذَٰلِكَ } ، أي : وكما وصفْنا { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ } فعلنا ذلك ، و { ٱلأَحَادِيثِ } : الرؤيا في النوْمِ ؛ قاله مجاهد ، وقيل : أحاديث الأنبياء والأمم ، والضمير في « أمره » يحتمل أنْ يعودَ على يوسف ؛ قاله الطبري ، ويحتملُ أن يعود على اللَّهِ عزَّ وجلَّ ؛ قاله ابن جُبَيْر ، فيكون إِخباراً منبِّهاً على قدرة اللَّه عزَّ وجلَّ ليس في شأن يوسُفَ خاصَّة ، بل عامًّا في كل أمر ، و « الأَشُدَّ » : ٱستكمال القوة وتناهِي بِنْيَةِ الإِنسان ، وهما أَشُدَّان : أولهما ، البلوغ ، والثاني : الذي يستعمله العرب . وقوله سبحانه : و { آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } : يحتمل أن يريد بالحُكْم : الحكمة والنبوَّة ، وهذا على الأشُدِّ الأعلَى ، ويحتملُ أن يريد بالحُكْمِ : السلطانَ في الدنيا وحكماً بين الناس ، وتدخُلُ النبوَّة وتأويلُ الأحاديث وغير ذلك في قوله : { وَعِلْماً } ، وقال ابن العربيِّ : { آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } : الحُكْم : هو العَمَلُ بالعلْمِ . انتهى . وقوله سبحانه : { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } : عبارةٌ فيها وعد للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أي : فلا يهولَنَّكَ فعل الكَفَرة وعتوّهم عليك ، فاللَّه تعالى يصنع للمحْسِنِين أجْمَلَ صنع .