Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 23-24)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } : المراودة : الملاطفةُ في السُّوق إِلى غرضٍ ، و { ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا } هي زُلَيْخَا امرأةُ العزيز ، وقوله : { عَن نَّفْسِهِ } : كنايةٌ عن غرض المواقعة ، وظاهرُ هذه النازِلة أنها كانَتْ قبل أنْ ينبَّأ عليه السلام ، وقولها : { هَيْتَ لَكَ } : معناه : الدُّعاء ، أيْ : تعالَ وأقْبِلْ عَلَى هَذا الأمْرِ ، قال الحَسن : معناها : هَلُمَّ ، قال البخاريُّ : قال عكرمةُ : { هَيْتَ لَكَ } بالحُورَانِيَّةِ : هَلُمَّ . وقال ابن جُبير : تَعَالَهْ ، انتهى . وقرأ هشام عن ٱبْنِ عامرٍ : « هِئْتُ لَكَ » - بكسر الهاءِ والهمزِ وضمِّ التاء - ، ورويت عن أبي عَمْرو ، وهذا يحتملُ أنْ يكون من هَاءَ الرجُلُ يَهِيءُ ، إِذا حَسُن هيئته ، ويحتمل أنْ يكون بمعنى : تَهَيَّأَتُ ، و { مَعَاذَ } : نصب على المصدر ، ومعنى الكلام : أعوذ باللَّهِ ، ثم قال : { إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ } ، فيحتمل أن يعود الضمير في « إِنه » على اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، ويحتمل أنْ يريد العزيزَ سيِّدَهُ ، أي : فلا يصلح لي أنْ أخونه ، وقد أكْرَمَ مثواي ، وٱئتمنَنِي ، قال مجاهد وغيره : « رَبِّي » معناه سَيِّدي وإِذا حفظ الآدميّ لإِحسانه فهو عمل زَاكٍ ، وأحرى أن يحفظ ربه ، والضمير في قوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ } مرادٌ به الأمر والشأن فقطْ ، وحكى بعض المفسِّرين أنَّ يوسُفَ عليه السلام لمَّا قال : مَعَاذَ اللَّهِ ، ثم دافَعَ الأمْرَ بٱحتجاجٍ وملاينةٍ ، ٱمتحنَهُ اللَّه تعالى بالهَمِّ بما هَمَّ به ، ولو قال : لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلا باللَّهِ ، ودافَعَ بِعُنْفٍ وتغييرٍ ، لم يَهمَّ بشيء من المَكْروه . وقوله سبحانه : { وَهَمَّ بِهَا } : ٱختلف في هَمِّ يوسُفُ . قال * ع * : والذي أقولُ به في هذه الآية : أَنَّ كَوْنَ يوسُفَ عليه السلام نبيًّا في وقت هذه النازلة لم يصحَّ ، ولا تظاهَرَتْ به روايةٌ ، فإِذا كان ذلك ، فهو مؤمنٌ قد أوتِيَ حكماً وعلماً ، ويجوز عَلَيْه الهَمُّ الذي هو إِرادةُ الشيْءِ دون مواقَعَتِهِ ، وأنْ يستصحب الخَاطِرَ الرديءَ ؛ علَى ما في ذلك من الخطيئة ، وإِن فرضْنَاه نبيًّا في ذلك الوقْتِ ، فلا يجوز عليه عندي إِلاَّ الهَمُّ الذي هو الخاطرُ ، ولا يصحُّ عندي شيْءٌ مما ذكر من حَلِّ تِكَّةٍ ، ونحوِ ذلك ؛ لأنَّ العِصْمة مع النبوَّة ، وللَهمِّ بالشيْءِ مرتبتانِ ، فالخاطرُ المجرَّد دون ٱستصحابٍ يجوزُ عليه ، ومع استصحابِ لا يَجُوزُ عليه ؛ إِذ الإِجماع منعقدٌ أَنَّ الهمَّ بالمعصية واستصحابَ التلذُّذ بها غير جائزٍ ، ولا داخِلٍ في التجاوُزِ . * ت * : قال عياضٌ : والصحيحُ إِن شاء اللَّه تنزيهُهُمْ أيضاً قبل النبوَّة مِنْ كُلِّ عيْبٍ ، وعصمتُهُم مِنْ كُلِّ ما يوجبُ الرَّيْب ، ثم قال عياضٌ بعد هذا : وأما قولُ اللَّه سبحانه : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ، فعلى طريق كثيرٍ من الفقَهَاء والمحدِّثين ؛ أنَّ همَّ النفْس لا يؤاخذ به ، وليس بسيِّئة ، لقوله عليه السلام عن ربِّه : " إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ " ؛ فَلاَ مَعْصِيَةَ في همه إِذَنْ ، وأما علَى مذهب المحقِّقين من الفقهاء والمتكلِّمين ، فإِن الهمَّ إِذا وُطِّنَتْ عليه النفْسُ سيئةٌ ، وأَما ما لم توطَّن عليه النفس مِنْ همومها وخواطرها ، فهو المعفوُّ عنه ، وهذا هو الحقُّ ، فيكون إِن شاء اللَّه هَمُّ يوسُفَ من هذا ، ويكونُ قوله : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي … } [ يوسف : 53 ] : أي : مِن هذا الهَمِّ ، أو يكون ذلك مِنْهُ على طريق التواضُع . انتهى . واختلف في البُرْهَان الذي رآه يوسُفُ ، فقيل : ناداه جبريلُ : يا يوسُفُ ، تَكُونُ في ديوانِ الأنبياءِ ، وتفعلُ فِعْلَ السفهاءِ ، وقيل : رأَى يعقوبَ عَاضًّا علَى إِبهامه ، وقيل غير هذا ، وقيل : بل كان البرهَانُ فِكْرَتَهُ في عذابِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ على المعصية ، والبرهانُ في كلام العرب : الشيء الذي يُعْطِي القطْعِ واليَقِينَ ، كان مما يَعلَمُ ضرورةً أو بخبرٍ قطعيٍّ أو بقياسٍ نظريٍّ « وأنْ » في قوله : { لَوْلا أَن رَّأَى } في موضع رفعٍ ، تقديره : لولا رؤيته برهانَ رَبِّه ، لَفَعَلَ ، وذَهَبَ قومٌ إِلى أَنَّ الكلامَ تَمَّ في قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } ، وأن جواب « لولا » في قوله : { وَهَمَّ بِهَا } ، وأن المعنى : لولا أنْ رأَى البرهان لَهَمَّ ، أي : فلم يهمَّ عليه السلام ، وهذا قولٌ يردُّه لسانُ العربِ ، وأقوالُ السلَفِ * ت * : وقد ساقَ عيَاضٌ هذا القولَ مساق ٱلاحتجاجِ به متَّصلاً بما نقَلْناه عنْه آنفاً ، ولفظه : فكيف ، وقَدْ حكَى أبو حاتمٍ عن أبي عُبَيْدة ، أن يوسف لم يَهِمَّ ، وأنَّ الكلام فيه تقديمٌ وتأخير ، أي : ولقد همَّتْ به ، ولولا أنْ رأَى برهانَ ربه لَهَمَّ بها ، وقد قال اللَّه تعالى عن المرأة : { وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } [ يوسف : 32 ] ، وقال تعالى : { كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوءَ وَٱلْفَحْشَاءَ } ، وقال : { مَعَاذَ ٱللَّهِ … } الآية . انتهى . وكذا نقله الداودي ولفظه : وقد قال سعيدُ بْنَ الحَدَّاد : في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ ، ومعناه : أنه لولا أنْ رأَى برهان ربِّه لَهَمَّ بها ، فلمَّا رأى البرهان لم يَهِمَّ ، انتهى . قال ابن العربيِّ في « أَحكامه » : وقد أخبر اللَّه سبحانه عن حالِ يوسُفَ من حين بلوغه بأنه آتاه حكماً وعلماً ، والحُكْم : هو العمل بالعلم ، وكلامُ اللَّه صادِقٌ ، وخبره صحيحٌ ، ووصفه حَقٌّ ، فقد عَمِلَ يوسُفُ بما عَلَّمه اللَّه من تحريم الزنا ، وتحريم خيانةِ السيِّد في أهْله ، فما تعرَّض لامرأةِ العزيز ، ولا أناب إِلى المُرَاودة ، بل أَدْبَرَ عنها ، وَفَّر منها ؛ حِكْمَةٌ خُصَّ بها ، وعملٌ بما علَّمه اللَّه تعالى ، وهذا يطمس وُجُوهَ الجَهَلَةِ مِنَ النَّاس والغَفَلَةِ من العلماءِ في نسْبتهم إِلى الصِّدِّيقِ ما لا يليقُ ، وأقلُّ ما اقتحموا مِنْ ذلك هَتْكُ السراويلِ ، والهَمُّ بالفَتْكِ فيما رَأَوْهُ من تأويلٍ ، وحاشاه من ذلك ، فما لهؤلاء المفسِّرين لا يكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ؛ يقولون : فَعَلَ فَعَلَ ، واللَّه تعالى إِنما قال هَمَّ بها ، قال علماء الصوفيَّة : إِن فائدة قوله تعالى : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا … } [ يوسف : 22 ] أن اللَّه عزَّ وجلَّ أعطاه العلْمَ والحكْمة ؛ بأن غلب الشهوة ؛ ليكون ذلك سبباً للعصْمَة ، انتهى . والكافُ من قوله تعالى : { كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوءَ } : متعلِّقةٌ بمضمرٍ ، تقديره : جَرَتْ أفعالنا وأقدارنا كذلك ؛ لنصرفَ ، ويصحُّ أن تكون الكافُ في موضِعِ رفعٍ بتقديرِ عصمَتَنا له كَذَلك ، وقرأ ابن كثير وغيره : « المُخْلِصِينَ » - بكسر اللام - في سائر القرآن ، ونافع وغيره بفَتْحها .