Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 50-53)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ ٱلرَّسُولُ … } الآية : لمَّا رأى المَلِكُ وحاضروه نُبْلَ التَّعْبِير وحُسْنَ الرأْيِ ، وتضمَّن الغيب في أمْر العامِ الثامِنِ ، مع ما وُصِفَ به من الصِّدْق عَظُمَ يوسُفُ في نَفْس الملك ، وقال : { ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } : يعني : المَلِكَ ، { فَسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ، وقصْدُه عَلَيْه السلام بيانُ براءته ، وتحقُّق منزلته من العِفَّة والخَيْرِ ، فرسَمَ القصَّة بطَرَف منها ، إِذا وقع النظَرُ عَلَيْه ، بان الأمْرُ كله ، وَنَكَبَ عن ذِكْرِ ٱمْرأةِ العزيز ؛ حُسْنَ عِشْرةٍ ورعايةٍ لذِمَامِ مُلْك العزيز له ، وفي « صحيح البخاري » ، عن عبد الرحمٰن بن القاسِمِ صاحبِ مَالِكٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " ولَوْ لَبِثْتُ في السِّجْنِ لُبْثَ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِي " المعنى : لو كُنْتَ أنا ، لَبَادَرْتُ بالخروج ، ثم حاوَلْتُ بيان عُذْرِي بَعْدَ ذلك ؛ وذلك أَنَّ هذه القصص والنوازل ، إِنما هي معرَّضة ليقتدي النَّاسُ بها إِلى يوم القيامة ، فأراد صلى الله عليه وسلم حَمْلَ الناسِ على الأحزمِ من الأمورِ ؛ وذلك أن التارِكَ لمِثْلِ هذه الفُرْصَة ربَّما نَتَجَ له بسَبَبِ التأخير خلاَفُ مقصوده ، وإِن كان يوسف قد أَمِنَ ذلك ؛ بِعِلْمِهِ من اللَّه ، فغيْرهُ من الناس لا يأمَنُ ذلك ، فالحالة التي ذَهَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفسه إِلَيْها حالَةُ حَزْمٍ ومدحٍ ؛ ليقتدى به ، وما فعله يوسَفُ عليه السلام حالةُ صَبْرٍ وتجلُّد ، قال ابنُ العربيِّ في « أحكامه » : وٱنظر إِلى عظيمِ حلْمِ يوسُف عليه السلام وَوُفُورِ أدبه ، كيف قال : { مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّـٰتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ، فذكر النساءَ جملةً ؛ لتدخُلَ فيهنَّ امرأة العزيزِ مدْخَلَ العمومِ ؛ بالتلويحِ دون التصريح . انتهى . وهذه كانَتْ أخلاقُ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لا يقابل أحداً بمكروهٍ ، وإِنما يقول : « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا » ، من غير تعيينٍ ، وبالجملة فكلُّ خَصْلة حميدةٍ مذكُورَةٍ في القُرآنَ ٱتَّصَفَ بها الأنبياءُ والأصفياءُ ، فقد ٱتصفَ بها نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، إِذ كان خلقه القرآن ، كما روته عائشةُ في الصحيحِ ، وكما ذكر اللَّه سبحانه : { أُوْلَٰـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] انتهى . وقوله : { إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } ، فيه وعيدٌ ، وقوله : { مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ } : المعنى : فَجَمَعَ المَلِكُ النِّسوة ، وٱمرَأةُ العزيزِ معَهُنَّ ، وقال لهنَّ : { مَا خَطْبُكُنَّ … } الآية : أي : أيُّ شيء كانَتْ قصَّتَكُن ، فجاوب النساءُ بجوابٍ جيدٍ ، تظهر منه براءَةُ أَنفُسِهِنَّ ، وأعطَيْنَ يوسُفَ بعْضَ براءةٍ ، فقلْنَ : { حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ } ، فلما سمعت ٱمرأةُ العزيزِ مقالَتَهُنَّ وَحَيْدَتَهُنَّ ، حضَرَتْها نيَّةٌ وتحقيقٌ ، فقالتِ : { ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ } ، أي : تبيَّنَ الحقُّ بعد خفائِهِ ؛ قاله الخليل وغيره ، قال البخاريُّ : حَاشَ وحَاشَى : تنزيهٌ وٱستثناءٌ ، وحَصْحَصَ : وَضَح . انتهى . ثم أقرَّتْ على نفسها بالمراودةِ ، وٱلتزَمَتِ الذنْبَ ، وأبرأَتْ يوسُفَ البراءةَ التامَّة . وقوله : { ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } إِلى قوله : { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } : ٱختلفَ فيه أَهْلُ التأويل ، هل هو مِنْ قولِ يوسُفَ أَو من قول ٱمرأةِ العَزِيزِ .