Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 54-57)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } : المعنى : أن الملك ، لَمَّا تَبَيَّنَتْ له براءة يُوسُفُ وتحقَّق في القصَّة أمانته ، وفَهِمَ أيضاً صبره وعُلُوَّ همته ، عظُمَتْ عنده منزلتُهُ ، وتيقَّن حُسْنَ خلاله ، فقال : { ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } ، فلما جاءه وكلَّمه قال : { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ } : قال ابنُ العربيِّ في « أحكامه » : قوله : { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ } : أي : متمكِّن مما أردتَّ ، أمين على ما ٱئْتُمِنْتَ عليه من شيء ؛ أمَّا أمانته فلظهورِ براءَتِهِ ، وأمَّا مكانته ، فلثبوت عفَّته : ونَزَاهَتِهِ انتهى ، وَلَمَّا فهم يوسُفُ عليه السلام من المَلِكِ أنَّه عزم على تصريفه وٱلاستعَانَة بِنَظَرِهِ ، قال : { ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ ٱلأَرْضِ } ، لما في ذلك من مصالح العباد . قال * ع * : وطِلبَةُ يوسُفَ للعملِ إِنما هي حِسْبَةٌ منه عليه السلام في رغبته في أنْ يقع العدلُ ، وجائزٌ أيضاً للمرء أنْ يُثْنِيَ على نفسه بِالْحَقِّ ، إِذا جهل أمره ، و { خَزَائِنِ } : لفظٌ عامٌّ لجميع ما تختزنه المَمْلَكَة من طعامٍ ومالٍ وغيره . وقوله سبحانه : { وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ } : الإِشارة بـــ « ذلك » إِلى جميع ما تقدَّم من جميلِ صنعِ اللَّه به ، فروي أن العزيز ماتَ في تلك الليالي ، وقال ابنُ إِسحاق : بل عَزَلَه المَلِكُ ، ثم مات أظفير ، فولاه المَلِكُ مكانَهُ ، وَزَوَّجَه زوجَتَهُ ، فلما دخَلَتْ علَيْه عَرُوساً ، قال لها : أَلَيْسَ هذا خيراً مما كُنْتِ أردتِّ ، فدخَلَ يوسُفُ بها ، فَوَجَدَهَا بكْراً ، وولَدَتْ له ولدَيْنِ ، ورُوِيَ أيضاً ؛ أَنَّ الملك عزَلَ العزيزَ ، وولَّى يوسُفَ موضعَهُ ، ثم عظُمَ مُلْكُ يوسُفَ وتغلَّب على حالِ المَلِكِ أجمع ، قال مجاهدٌ : وأسْلَمَ المَلِكِ آخِرَ أمْره ، ودَرَسَ أمر العزيز ، وذهبتْ دنياه ، وماتَ ، وٱفتقَرَتْ زوجته ، وشاخَتْ ، فلما كان في بعض الأيامِ ، لَقِيَتْ يوسُفَ في طريقٍ ، والجنودُ حوله ووراءه ، وعلى رأسه بُنُودٌ عليها مكتوبٌ : { هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواْ إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ يوسف : 108 ] فَصَاحَتْ به ، وقالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ أَعَزَّ العبيدَ بالطَّاعةَ ، وأذَلَّ الأربابَ بالمَعْصِيةِ ، فعرفَهَا ، وقالَتْ له : تَعَطَّفَ عَلَيَّ وٱرزقْنِي شيئاً ، فدعا لها ، وكلَّمها ، وأشفَقَ لحالها ودعا اللَّه تعالَىٰ فرَدَّ عليها جمالَهَا ، وتزوَّجها ، ورُوِيَ في نحو هذا مِنَ القصص ما لا يُوقَفُ على صحَّته ، ويطولُ الكلامُ بسَوْقه ، وباقي الآية بيِّن واضحٌ للمستبصرين ، ونورٌ وشفاءٌ لقلوب العارفين . وقوله : « لِيُوسُفَ » : أبو البقاء : اللام زائدةٌ ، أي : مَكَّنّا يُوسُفَ ، ويجوز ألا تكون زائدة ، فالمفعول محذوفٌ ، أي : مكنا ليوسف الأمورَ . انتهى .