Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 73-76)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ } : روي أن إِخوة يوسُفَ كانُوا رَدُّوا البِضَاعة المَوْجُودة في الرِّحَال ، وتحرَّجوا مِنْ أخْذ الطعام بلا ثَمَنٍ ؛ فلذلك قالوا : { لَقَدْ عَلِمْتُم } ؛ أي : لقد علمْتُمْ منا التحرِّي ، وروي أنهم كانوا قَدِ ٱشتهروا بِمِصْرَ بصَلاَحٍ وتعفُّفٍ ، وكانوا يجعلُونَ الأَكِمَّةَ في أفواه إِبلهم ، لَئَلاَّ تنَالَ زروعَ الناسِ ؛ فلذلك قالوا : { لَقَدْ عَلِمْتُم } ، والتاء في « تَاللَّهِ » بدلٌ من الواو ، ولا تدخُلُ التَّاء في القَسَمِ إِلاَّ في هذا ٱلاسم . قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : قال الطبري : قوله تعالى : { قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ } على حذف مضافٍ ، تقديره : جزاؤه استعبادُ و ٱسترقاقُ مَنْ وَجَدَ في رَحْله . انتهى . وقولهم : { كَذَٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } : أي : هذه سُنَّتنا ودِينُنا في أهْل السَّرقة ؛ أنْ يتملَّك السارق ؛ كما تَمَلَّكَ هو الشيءَ المَسْرُوق . وقوله سبحانه : { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ … } الآية : بدؤه أيضاً من أوعيتهم تمكينٌ للحِيلَةِ ، وإِبعادٌ لظُهُور أنها حيلةٌ ، وأضافَ اللَّه سبحانَهُ الكَيْدَ إِلى ضميره ؛ لَمَّا خَرَجَ القَدْرُ الذي أباح به ليُوسُفَ أَخْذَ أخِيهِ مَخْرَجَ ما هو في ٱعتقادِ النَّاس كَيْدٌ ، وقال السُّدِّيُّ والضَّحَّاك : { كِدْنَا } : معناه : صَنَعْنَا ، و { دِينِ ٱلْمَلِكِ } : فسَّرَه ابن عباس بسُلْطَانِهِ ، وفسَّره قتادة بالقضاءِ والحُكُم ، وهذا متقاربٌ ، قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : قوله تعالى : { كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ } ، إذ كان المَلِكُ لا يَرَى ٱسترقاقَ السَّارق ، وإِنما كان دِينُهُ أنْ يأخذ المجنيُّ عليه من السارق مِثْلَي السَّرقَةِ . { إِلاَّ أَن يَشَاءَ ٱللَّهُ } : ٱلتزامُ الإِخوة لدين يعقوبَ بٱلاسترقاقِ ، فَقَضَى عليهم به ، انتهى . قال * ع * : وٱلاستثناء في هذه الآيةِ حكايةُ حال التقديرِ ، إِلا أنْ يشاء اللَّه مَا وَقَعَ من هذه الحيلةِ ، وروَى أبو عمر بْنُ عَبْدِ البَرِّ بسنده ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ؛ أنه قال في قَوْلِهِ عَزَّ وجلَّ : { نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍ مَّن نَّشَاءُ } : قال : بالعلْمِ ، انتهى من « كتاب العلم » . وقوله سبحانه : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } ، المعنى : أنَّ البَشَرَ في العلْمِ درجاتٌ ، فكلُّ عالمٍ فلا بُدَّ مِنْ أعْلَمَ منه ، فَإِما من البَشَرِ ، وإِما اللَّه عزَّ وجلَّ ، فهذَا تأويلُ الحَسَن وقتادة وابن عباس وروي أيضاً عن ابن عبَّاس : إِنما العليمُ اللَّهُ ، وهو فوقَ كل ذي علم . قال ابن عطاء في « التنوير » : ٱعلم أنَّ العلْمَ حيثُ ما تكرَّر في الكتاب العزيز ، أو في السُّنَّة ، فإِنما المراد به العِلْمُ النافِعُ الذي تقارنُهُ الخشية ، وتكتنفه المَخَافة . انتهى . قال الشيخ العارفُ أبو القاسم عبْدُ الرحمٰن بْنُ يوسُفَ اللَّجَائيُّ رحمه اللَّه : إِذا كَمُلَتْ للعبدِ ثلاَثُ خِصَالٍ ، وصَدَقَ فيها ، تفجَّرَ العْلْمُ مِنْ قَلْبِهِ على لسانه ، وهي الزُّهْد ، والإِخلاص ، والتقوى ، قال : ولا مَطْمَعَ في هذَا العلْمِ المذكور إِلا بَعْدَ معالجة القَلْبِ مِنْ علله التي تشينه ، كالكِبْر ، والحَسَد ، والغَضَبِ ، والرياء ، والسُّمْعة ، والمَحْمَدَة والجاه ، والشَّرَف ، وعُلُوِّ المنزلة ، والطمَعِ ، والحِرْصِ ، والقَسْوة ، والمُدَاهَنة ، والحِقْد ، والعَدَاوة ، وكلِّ ما عَدَدْنَاهُ من العلل ، وما لم نَعُدَّهُ راجعٌ إِلى أصل واحدٍ ، وهو حبُّ الدنيا ، لأنَّ حبها عنه يتفرَّعُ كلُّ شر ، وعنه يتشعَّب كلُّ قبيح ، فإِذا زالَتْ هذه العِلَلُ ظهر الصِّدْق ، والإِخلاص ، والتواضُعُ ، والحِلْم ، والوَرَعِ ، والقَنَاعة ، والزُّهْد ، والصَّبْر ، والرِّضا ، والأُنْسُ ، والمَحَبَّة ، والشَّوْق ، والتوكُّل ، والخَشْية ، والحُزْن ، وقِصَر الأَمَلِ ، وَمِزَاجُ النية بالعمل ، فينبُعُ العِلْمُ ، وينتفي الجَهْل ، ويضيءُ القَلْب بنور إلاهيٍّ ، ويتلألأ الإِيمان ، وتوضح المعرفةُ ، ويتَّسِعُ اليقينُ ، ويتقوَّى الإِلهام ، وتبدو الفراسَاتُ ، ويصفى السرُّ ، وتتجلَّى الأسرار ، وتوجد الفوائدُ . قال رحمه اللَّه : وليس بَيْنَ العبدِ والترقِّي مِنْ سُفْلٍ إِلى عُلْوٍ إِلاَّ حُبُّ الدنيا ؛ فإِن الترقِّي يتعذَّر مِنْ أجْل حبِّها ؛ لأنها جاذبة إِلى العالَمِ الظلمانيِّ ، وطباعُ النفوس لذلك مائلةٌ ، فإِنْ أردتَّ أنْ تقتفي أثَرَ الذاهِبينَ إِلى اللَّه تعالى ، فٱسْتَخِفَّ بدنياك ، وٱنْظُرْها بعَيْن الزَّوال ، وأَنْزِلْ نَفْسَكَ عندَ أخْذِ القُوتِ منها منزلَةَ المُضْطَرِّ إِلى الميتة ، والسَّلام . انتهى . وروي أن المفتِّش كان إِذا فَرَغَ من رَحْلِ رَجُلٍ ، فلم يجدْ فيه شيئاً ، ٱستغفر اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فعله ذلك ، وظاهر كلام قتادة وغيره ؛ أنَّ المستغفِرَ هو يُوسُفُ حتى انْتَهَى إِلى رَحْلِ بِنْيَامِينَ ، فقال : ما أظَنُّ هذا الفتى رضي بهذا ، ولا أخذ شيئاً ، فقال له إِخوته : واللَّهِ ، لاَ تَبْرَحْ حَتَّى تُفَتِّشَهُ ، فهو أطْيَبُ لنفسك ونفوسِنَا ، فَفَتَّشَ حينئِذٍ ، فأخْرَجَ السِّقاية ، وروي أنَّ أُخوة يوسُفَ لما رأَوْا ذلك ، عَنَّفُوا بِنْيَامِينَ ، وقالوا له : كَيْفَ سَرَقْتَ هذه السِّقَايَةَ ؟ فقال لهم : واللَّهِ ، ما فَعَلْتُ ، فَقَالُوا له : فَمَنْ وَضَعَهَا في رَحْلِكَ ؟ قالَ : الذي وَضَعَ البِضَاعَةَ في رِحَالِكُمْ ، والضمير في قوله : { ٱسْتَخْرَجَهَا } : عائدٌ على السِّقاية ، ويحتمل على السَّرقة .