Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 80-84)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { فَلَمَّا ٱسْتَيْئَسُواْ مِنْهُ … } الآية يقال : يَئِسَ وَٱسْتِيْأسَ بمعنًى واحدٍ ، قال البخاريُّ : { خَلَصُواْ نَجِيًّا } : اعتزلوا ، والجَمْع أَنْجِيَةٌ ، وللاثنين والجمع نَجِيٌّ وأَنْجِيَة انتهى . وقال الهَرَوِيُّ : { خَلَصُواْ نَجِيًّا } : أي تَمَيَّزوا عن الناس متناجين انتهى . و { كَبِيرُهُمْ } : قال مجاهدٌ هو شَمْعُونُ ، كان كبيرهم رَأْياً وعِلْماً ، وإِن كان رُوبِيلُ أَسنَّهم ، وقال قتادة : هو روبيلُ ، لأَنه أسنُّهم ، وهذا أظهرُ ورجَّحه الطبريُّ ، وذكرهم أخوهم ميثاقَ أبيهم : { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } [ يوسف : 66 ] . وقوله : { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ } : قال : * ص * : « بَرَحَ » التامَّةُ بمعنى ذَهَبَ وظَهَرَ ؛ ومنه : برح الخَفَاء ، أي : ظهر ، والمتوجَّه هنا : معنى « ذهب » ، لكنَّه لا ينصب الظرف المكانيَّ المختصَّ إِلا بواسطة ، فٱحتيج إِلى تضمينه معنى « فارق » ، والأرض مفعولٌ به ، ولا يجوزُ أنْ تكون « أبرح » : ناقصةٌ انتهى . وقوله : { ٱرْجِعُواْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ } : الأمر بالرجُوعِ قيلَ : هُوَ مِنْ قولِ كبيرهم ، وقيل : من قَوْلِ يوسُفَ ، والأول أظهرُ ، وذكر الطبرِيُّ أَنَّ يوسُفَ قال لهم : إِذا أتيتم أباكم فٱقرؤوا علَيْه السَّلام ، وقولوا له : إِنَّ مَلِكَ مِصْرَ يدْعُو لك أَلاَّ تمُوتَ حَتَّى تَرَى ولدك يوسُفَ ، ليعلم أَنَّ في أرض مِصْرَ صِدِّيقين مثله ، وقرأ الجمهور : « سَرَقَ » ، وروي عن الكسائي وغيره : « سُرِقَ » - ببنائه للمفعول - . { وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا } : أي : بٱعتبار الظَّاهر ، والعِلْمُ في الغَيْبِ إِلى اللَّه ، ليْسَ ذلك في حِفْظنا ، هذا تأويل ابْن إِسحاق ، ثم ٱستشهدوا بالقرية التي كانوا فيهَا ، وهي مِصْر ؛ قاله ابن عباس ، والمراد أهْلُها ، قال البُخَارِيُّ : { سَوَّلَتْ } : أي : زَيَّنَتْ ، وقولُ يعقُوبَ : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا } يعنى بيوسُفَ ويَامِينَ ورُوبِيلَ الذي لَمْ يَبْرَحِ الأَرضَ ، ورجاؤه هذا مِنْ جهاتٍ ، منها : حُسْن ظَنِّه باللَّه سبحانه في كلِّ حالٍ ، ومنها : رؤيا يوسُفَ المتقدِّمة ؛ فإِنه كان ينتظرُها ، ومنها : ما أخبروهُ عَنْ مَلِكِ مِصْر ؛ أنه يدعو له برؤْية ٱبْنِهِ . وقوله سبحانه : { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } : أي : زال بوجْهه عنْهم مُلْتَجِئاً إِلى اللَّه : { وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } . قال الحسن : خُصَّت هذه الأمَّة بالاستِرجاعِ ؛ أَلاَ تَرَى إِلى قول يعقُوبَ : { يَٰأَسَفَىٰ } . قال * ع * : والمراد يا أسفَي ، لكنْ هذه لُغَةُ مَنْ يردُّ ياء الإِضافة ألفاً ؛ نحو : يا غُلاَما ، ويَا أَبَتَا ، ولا يبعد أَنْ يجتمع ٱلاسترجاعُ ، ويَا أَسْفَى لهذه الأُمَّة ، وليعقوب عليه السلام ، وروي أن يعقوبَ عليه السلام حَزِنَ حُزْنَ سبعين ثَكْلَى ، وأُعطِيَ أَجْرَ مَائَةِ شهيدٍ ، وما ساءَ ظَنَّهُ باللَّه قطُّ ، رواه الحَسَنُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، { فَهُوَ كَظِيمٌ } بمعنى : كاظِمٍ ، كما قال : { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } [ آل عمران : 134 ] ووصف يعقوب بذلك ، لأنه لم يَشْكُ إِلى أحَدٍ ، وإِنما كان يكْمد في نَفْسه ، ويُمْسِك همَّه في صَدْره ، فكان يكظمه ، أي : يردُّه إِلى قلبه . * ت * وهذا ينظر إِلى قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " القَلْبُ يَحْزَنُ وَالعَيْنُ تَدْمَعُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ ما يُرْضِي الرَّبَّ … " الحديث ، ذكر هذا صلى الله عليه وسلم عنْدَ مَوْتِ ولده إِبراهيم ، قال ابن المبارك في « رقائقه » : أخبرنا مَعْمَرٌ ، عن قتادة في قوله تعالى : { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } ، قَالَ : كَظم على الحُزْنِ ، فلم يقُلْ إِلا خَيْراً انتهى ، قال ابن العربيِّ في « أحكامه » : وفي الحديث الصحيح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّه قال في ٱبْنه إِبراهيم : " إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالَقْلَبَ يَحْزَنُ ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي الرَّبَّ ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ " ، وقال أيضاً في الصحيح صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ ، وَإِنَّمَا يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ " انتهى . خرَّجه البخاريُّ وغيره .