Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 35-39)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِنًا } تقدَّم تفسيره . وقوله : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } : و { وَٱجْنُبْنِي } : معناه : ٱمْنَعْنِي ، يقال : جَنَبَهُ كَذَا ، وأَجْنَبَهُ ؛ إِذا مَنَعَهُ من الأمْر وحَمَاهُ منْه . * ت * : وكذا قال * ص * : و « ٱجنبني » : معناه : ٱمنعْنِي ، أصله من الجَانِبِ ، وعبارةُ المَهْدَوِيِّ : أي : ٱجعلْني جانباً من عبادتها . وقال الثعلبيُّ : { وَٱجْنُبْنِي } ، أي : بعّدني وٱجعلْني منْها على جانِبٍ بعيدٍ . انتهى ، وهذه الألفاظ كلُّها متقاربة المعاني ، وأراد إبراهيم عليه السلام بَنِيَّ صُلْبه ، وأما باقي نَسْله ، فمنهم مَنْ عبد الأصنام ، وهذا الدعاء من الخليل عليه السلام يقتضي إِفراطَ خَوْفه علَى نفسه ومَنْ حصل في رتبته ، فكيف يَخَافُ أنْ يعبد صَنَماً ، لكن هذه الآية ينبغي أنْ يُقْتَدَى بها في الخَوْفِ ، وطَلَبِ حُسْنِ الخاتمة ، و { ٱلأَصْنَامَ } : هي المنحوتةُ على خَلْقَة البَشَر ، وما كان منحوتاً على غَيْرِ خلْقَة البَشَرِ ، فهي أوثانٌ ، قاله الطبريُّ عن مجاهد ، ونسب إِلى الأصنام أنها أضَلَّتْ كثيراً من الناس تجوُّزاً ، وحقيقةُ الإِضلال إِنما هي لمخترعها سبحانه ، وقيل : أراد بـ { ٱلأَصْنَامَ } هنا : الدنانيرُ والدَّرَاهم . وقوله : { وَمَنْ عَصَانِي } : ظاهره بالكُفْر ؛ لمعادلة قوله : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } ، وإِذا كان ذلك كذلك ، فقوله : { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } : معناه : بتوبَتِكَ على الكَفَرَةِ ؛ حتى يؤمنوا لا أنَّه أراد أنَّ اللَّه يغفر لكَافِرٍ ، وحمله على هذه العبارة ما كَانَ يأخذ نَفْسَهُ به من القَوْلِ الجميلِ ، والنُّطْقِ الحسنِ ، وجميلِ الأَدَبِ صلى الله عليه وسلم ، قال قتاد : ٱسْمَعُوا قوْلَ الخليلِ صلى الله عليه وسلم : واللَّه ما كانُوا طَعَّانين ولا لَعَّانِينِ ، وكذلك قولُ نبيِّ اللَّه عيسى عليه السلام : { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] ، وأسند الطبريُّ عن عبد اللَّهِ بْن عَمْرٍو حديثاً : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، تلا هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ ، ثم دعا لأمته فبَشَّرَ فيهم ، وكان إِبراهيمُ التَّيْمِيُّ يقول : مَنْ يأمن على نفْسه بَعْدَ خوف إِبراهيمَ الخليل على نَفْسِهِ مِنْ عبادة الأصْنام . وقوله : و { مِن ذُرِّيَّتِي } : يريد : إِسماعيل عليه السلام ، وذلك أَنَّ سارَّة لمَّا غارَتْ بهاجَرَ بَعْدَ أَنْ ولدَتْ إِسماعيل ، تشوَّش قلبُ إِبراهيم مِنْهُما ، فروي أنَّه رَكِبَ البُرَاقَ هو وهَاجَر ، والطفلُ ، فجاء في يَوْمٍ واحدٍ من الشامِ إِلى بَطْنِ مَكَّة ، فتركَهُما هناك ، ورَكِبَ منصرفاً من يومه ذلك ، وكان ذلك كلُّه بوحْيٍ من اللَّه تعالى ، فلمَّا ولى ، دعا بمضمَّن هذه الآية ، وأمَّا كيفيَّة بقاء هَاجَرَ ، وما صَنَعَتْ ، وسائرُ خَبَر إِسماعيل ، ففي كتابِ البخاريِّ وغيره ، وفي السير ، ذُكِرَ ذلك كلُّه مستَوْعَباً . * ت * : وفي « صحيح البخاري » من حديثه الطويل في قصَّة إِبراهِيمَ مع هَاجَرَ وولدِهَا ، لما حَمَلَهُما إِلى مكَّة ، قال : ولَيْسَ بمكَّة يَومَئِذٍ أَحَدٌ ، وليس فيها ماءٌ ، فوضعهما هنالِكَ ، ووضَعَ عندهما جراباً فيه تمْر ، وسقاءً فيه ماءٌ ، ثم قَفَّى إِبراهيم منطلقاً ، فتبعْتهُ أمُّ إِسماعيل ، فقالَتْ : يا إِبراهيم ، أيْنَ تَذْهَبُ ، وتَتْرُكُنَا بهذا الوادِي الذي لَيْسَ فيهِ أَنِيسٌ ، ولا شَيْء ، فقالَتْ له ذلك مِرَاراً ، وجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِليها ، فقالَتْ لَهُ : آللَّه أمَرَكَ بهذا ؟ قال : نعمْ ، قالتْ : إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا ، ثم رَجَعَتْ ، فٱنْطَلَقَ إِبراهيمُ حتى إِذا كان عند الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ ، ٱستقْبَلَ بوجهه الْبَيْتَ ، ثم دعا بهؤلاءِ الدعَواتِ ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، فقال : « رَبِّ { إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ } ، حتى بَلَغَ : { يَشْكُرُونَ } . … » الحديثَ بطوله وفي الطريقٍ : « قالَتْ : ياإِبراهيم إِلى مَنْ تَتْرُكُنَا ؟ قال : إِلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَتْ : رَضِيتُ . انتهى . وفي هذا الحديثِ مِنَ الفوائِدِ لأرباب القلوبِ والمتوكِّلين وأهْلِ الثقة باللَّه سُبْحَانه ما يَطُولُ بنا سرْدُهَا ، فإِليك ٱستخراجَهَا ، ولما انقطعَتْ هاجَرُ وٱبنُها إِلى اللَّه تعالى ، آواهما اللَّه ، وأنْبَعَ لهما ماءَ زَمْزَمَ المبارَكَ الذي جَعَله غذاءً ، قال ابنُ العربي : وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ " . قال ابن العربيِّ : ولقد كُنْتُ مقيماً بمكَّة سنَةَ سَبْعٍ وثمانينَ وأربعمائة ، وكنتُ أَشْرَبُ مَاءَ زَمْزَمَ كثيراً ، وكلَّما شرِبْتُ ، نَوَيْتُ بِهِ العِلْمَ والإِيمانَ ، ونَسِيتُ أنْ أشربه للعَمَلِ ، ففتح لي في العِلْمِ ، ويا لَيْتَنِي شربْتُه لهما معاً ؛ حتى يُفْتَحَ لي فيهما ، ولم يُقَدَّر ، فكان صَغْوِي إِلى العلْمِ أَكْثَرَ منه إِلى العمل ، انتهى من « الأحكام » . و « من » ؛ في قوله : و { مِن ذُرِّيَّتِي } ؛ للتبعيضِ ؛ لأن إِسحاق كان بالشَّام ، و « الوادِي » : ما بين الجبَلَيْن ، وليس مِنْ شرطه أَنْ يكون فيه ماءٌ ، وجَمْعُه الضميرَ في قوله : { لِيُقِيمُواْ } : يدلُّ على أن اللَّه قد أعلمه أنَّ ذلك الطِّفْلَ سَيُعْقِبُ هناك ، ويكونُ له نسلٌ ، واللام في { لِيُقِيمُواْ } : لامُ كي ؛ هذا هو الظاهر ، ويصحُّ أَنْ تكون لام الأمر ؛ كأنه رَغِبَ إِلى اللَّه سبحانه أَنْ يوفِّقهم لإِقامة الصلاة ، و « الأفئدة » القلوبُ جمْع فؤادٍ ، سمِّي بذلك ، لاتِّقَادِهِ ، مأخوذ من « فَأَد » ، ومنه : « المُفْتَأَدُ » ، وهو مستوقَدُ النَّار حيث يُشْوَى اللحْمُ . وقوله : { مِّنَ ٱلنَّاسِ } : تبعيضٌ ، ومراده المؤمنون ، وباقي الآية بيِّن .