Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 42-44)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله عز وجل : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ … } الآية : هذه الآية بجملتها فيها وعيدٌ للظالمين ، وتسليةٌ للمظلومين ، والخطابُ بقوله : { تَحْسَبَنَّ } للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، و { تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ } ، معناه : تُحِدُّ النظرَ ، لفرط الفَزَعِ ولفَرْطِ ذلك يَشْخَصُ المُخْتَضَرُ ، و « المُهْطِع » المسرع في مَشْيه ؛ قاله ابنُ جُبَيْر وغيره ، وذلك بِذِلَّة وٱستكانةٍ ، كإِسراع الأسير ونحوه ، وهذا أرجحُ الأقوال ، وقال ابن عباس وغيره : الإِهطاع شدَّة النظر من غير أنْ يَطْرِفَ ، وقال ابنُ زَيْدٍ : « المُهْطِع » : الذي لا يرفع رأسَهُ ، قال أبو عُبَيْدة : قد يكون : الإِهْطَاعُ للوجْهَيْنِ جميعاً : الإِسراع ، وإِدَامَةُ النَّظَر ، و « المُقْنِعُ » : هو الذي يَرْفَعُ رأْسَه قدُماً بوَجْهِهِ نحو الشيْءِ ، ومِنْ ذلك قولُ الشاعر : [ الوافر ] @ يُبَاكِرْنَ الْعِضَاهَ بِمُقْنَعَاتٍ نَوَاجِذُهُنَّ كَالْحَدَإِ الوَقِيعِ @@ يصفُ الإِبلَ عند رعْيها أَعاليَ الشَّجَر ، وقال الحسن في تفسير هذه الآية : وجوهُ الناسِ يوم القيامَةِ إِلى السماء لا يَنْظُرُ أَحدٌ إِلى أحد ، وذكر المبرِّد فيما حَكَى عنه مكِّيٌّ : أن الإِقناع يوجَدُ في كلامِ العَرب بمعنَى : خَفْضِ الرأسِ من الذِّلَّة . قال * ع * : والأول أشهر . وقوله سبحانه : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } ؛ أي : لا يَطْرِفُونَ من الحَذَرِ والجزعِ وشدَّة الحال . وقوله : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } : تشبيه محضٌ ، وَجِهَةُ التشبيه يحتملُ أنْ تكون في فراغِ الأَفئدة من الخَيْرِ والرَّجاء والطمعِ في الرحمة ، فهي متخرِّقة مُشَبِهَةٌ الهواءَ في تَفرُّغه من الأشياء ، وٱنخراقِهِ ، ويحتمل أنْ تكون في ٱضطراب أفئدتهم وجيشانها في صُدُورهم ، وأنها تذهب وتجيءُ وتبلُغُ علَى ما رُوِيَ حناجرهم ، فهي في ذلك كالهَوَاءِ الذي هو أبداً في ٱضطرابٍ . وقوله سبحانه : { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } : المراد باليَوْمِ : يومُ القيامةِ ، ونصبُهُ على أنه مفعولٌ بـــ « أَنْذِر » ، ولا يجوزُ أن يكون ظرفاً ، لأن القيامة ليْسَتْ بموطنِ إِنذار ، قال الشيخُ العارفُ باللَّهِ عبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي جَمْرَة : يجبُ التصْدِيقُ بكُلِّ ما أخبر اللَّه ورسُولُهُ به ، ولا يتعرَّض إِلى الكيفيَّة في كلِّ ما جاء من أمْرِ الساعة وأَحْوَالِ يومِ القيامةِ ، فإِنه أمْرٌ لا تسعه العُقُولُ ، وطَلَبُ الكيفيَّة فيه ضعْفٌ في الإِيمانِ ، وإِنما يجبُ الجَزْم بالتصديقِ بجميعِ مَا أخبر اللَّه بهِ ، انتهى . قال الغَزَّالِيُّ : فَأَعلمُ العلماءِ وأعْرَفُ الحكماءِ ينكشفُ له عَقِيبَ المَوْت مِنَ العجائبِ والآياتِ ما لَمْ يَخْطُرْ قَطُّ بباله ، ولا ٱختلَجَ به ضميره ، فلو لم يكُنْ للعاقلَ هَمٌّ ولا غَمٌّ ، إِلا التفكُّر في خَطَر تلك الأحوال ، وما الذي ينكشفُ عَنْه الغِطَاء من شقاوةٍ لازمةٍ ، أو سعادة دائمةٍ لكان ذلك كافياً في ٱستغْراقِ جميع العُمُر ، والعَجَبُ من غَفْلتنا ، وهذه العظائِمُ بَيْنَ أيدينا . انتهى من « الإِحياء » . وقوله : { أَوَلَمْ تَكُونُواْ … } الآية : معناه : يقال لهم ، وقوله : { مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ } : هو المُقْسَمُ عليه ، وهذه الآية ناظرةٌ إِلى ما حَكَى اللَّه سبحانه عنهم في قوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] .