Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 5-12)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَٱلأَنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } : الـ { دِفْء } : السَّخَانة ، وذَهَاب البَرْد بالأَكْسِيَة ونحوها ، وقيل : الـــ { دِفْءٌ } : تناسُلُ الإِبل ، وقال ابن عَبَّاس : هو نسْلُ كلِّ شيء ، والمعنى الأول هو الصحيحُ ، والــ { مَنَـٰفِعُ } : ألبانها وما تصرَّف منها ، وحَرْثُها والنَّضْح عليها وغَيْر ذلك . وقوله : { جَمَالٌ } ، أي : في المَنْظَر ، و { تُرِيحُونَ } : معناه : حين تردُّونها وقْتَ الرَّوِاح إِلى المنازلِ ، و { تَسْرَحُونَ } : معناه : تخرجُونها غُدْوة إِلى السَّرْح ، و « الأثْقَالُ » : الأمتعة ، وقيل : الأجسام ؛ كقوله : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] أي : أجسادَ بني آدم ، وسمِّيت الخيلُ خيلاً ؛ لاختيالها في مِشْيتها . * ت * : ويجبُ على من ملكه اللَّه شيئاً من هذا الحيوانِ أنْ يَرْفُقَ به ، ويشْكُر اللَّه تعالى على هذه النعمة التي خَوَّلها ، وقد رَوَى مالك في « الموطَّأ » عن أبي عُبَيْدٍ مولى سليمانَ بْنِ عبدِ المَلِكِ ، عن خالدِ بْنِ مَعْدَانَ يرفعه ، قال : " إِن اللَّه رفيقٌ يحبُّ الرِّفْق ، ويرضَاهُ ، ويعينُ عليه ما لاَ يُعِينُ على العُنْف ، فإِذا ركبتم هذه الدوابَّ العُجْمَ ، فأنزلوها منازِلَهَا ، فإِنْ كانَتِ الأرض جَدْبةً ، فانجوا عليها بِنِقْيِهَا ، وَعَلَيْكُمْ بسير اللَّيْلِ ؛ فَإِن الأرض تُطْوَى باللَّيْلِ ما لا تُطْوَى بالنهار ، وإِياكم والتَّعْرِيسَ على الطريقِ ؛ فإِنها طُرُق الدَّوابِّ ، ومأوى الحَيَّات " . قال أبو عمر في « التمهيد » : هذا الحديث يستندُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ ، فأمَّا « الرفْقُ » ، فمحمودٌ في كلِّ شيء ، وما كان الرفْقُ في شيء إِلاّ زانه ، وقد رَوَى مالك بسنده عن عائشة ، وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ " ، وأُمِرَ المسافرُ في الخِصْبِ بأنْ يمشي رويداً ، ويكثر النزول ، لترعَى دابته ، فأَما الأرْضُ الجَدْبة ، فالسُّنَّة للمسافِرِ أَنْ يُسْرُع السيْر ؛ ليخرجَ عنها ، وبدابَّته شيءٌ من الشَّحْم والقُوَّة ، و « النِّقْي » في كلام العرب : الشَّحْم والوَدَك . انتهى . وروَى أبو داود عن أبي هُرَيْرة ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بِالغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ ، وَجَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَٱقْضُوا حَاجَاتِكِمْ " انتهى . وقوله سبحانه : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } : عبرةٌ منصوبةٌ على العمومِ ، أي : إِنَّ مخلوقاتِ اللَّهِ مِنَ الحيوانِ وغيره لا يُحيطُ بعلْمها بَشَرٌ ، بل ما يخفَى عنه أكْثَرُ مما يعلمه . وقوله سبحانه : { وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ … } الآية : هذه أيضاً من أجَلِّ نعم اللَّه تعالى ، أي : على اللَّه تقويمُ طريقِ الهدَى ، وتبيينُهُ بنَصْب الأدلَّة ، وبعْثِ الرسل ، وإِلى هذا ذهب المتأوِّلون ، ويحتمل أنْ يكون المعنى : أَنَّ مَنْ سلك السبيلَ القاصِد ، فعلى اللَّه ، ورحمته وتنعيمُهُ طريقُهُ ، وإِلى ذلك مصيره ، و « طريقٌ قَاصِد » : معناه : بيِّنٌ مستقيمٌ قريبٌ ، والألف واللام في { ٱلسَّبِيلِ } ، للعهد ، وهي سبيلُ الشرْعِ . وقوله : { وَمِنْهَا جَائِرٌ } : يريد طريقَ اليهودِ والنصارَى وغيرِهِم ، فالضمير في { مِنْهَا } يعود على السُّبُلُ التي يتضمَّنها معنى الآية . وقوله سبحانه : { فِيهِ تُسِيمُونَ } : يقال : أَسَامَ الرَّجُلُ مَاشِيَتَهُ ؛ إِذا أرسلها ترعَى .