Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 16-20)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } قرأ الجمهور : « أَمَرْنَا » ؛ على صيغة الماضي ، وعن نافع وابن كثير ، في بعض ما رُوِيَ عنهما : « آمَرْنَا » بمد الهمزة ؛ بمعنى كَثَّرنا ، وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه : « أَمَّرْنَا » بتشديد الميم ، وهي قراءة أبي عثمان النَّهْديِّ ، وأبي العاليةِ وابن عبَّاسِ ، ورُوِيَتْ عن علي ، قال الطبري القراءة الأولى معناها : أمرناهم بالطَّاعة ، فعصَوْا وفَسَقُوا فيها ، وهو قولُ ابن عباس وابنِ جبير ، والثانية : معناها : كَثَّرناهم ، والثالثة : هي من الإِمارَةِ ، أي ملَّكناهم على الناس ، قال الثعلبي : واختار أبو عُبَيْد وأبو حاتمٍ قراءة الجمهور ، قال أبو عُبَيْد : وإِنما اخترْتُ هذه القراءة ، لأنَّ المعاني الثلاثةَ مجتمعةٌ فيها ، وهي معنى الأمْرِ والإِمارة والكثرة انتهى . * ت * : وعبارة ابن العربي : { أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } يعني بالطاعة ، ففسقوا بالمخالَفَة انتهى من كلامه على الأفعال الواقعة في القرآن ، « والمترف » الغنيُّ من المالِ المتنعِّم ، والتُّرْفَةُ : النِّعمة ، وفي مُصْحف أبيِّ بن كعب : « قَرْيَةً بَعَثْنَا أكابِرَ مُجْرِمِيها فَمَكَرُوا فيها » . وقوله سبحانه : { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } ، أي : وعيدُ اللَّه لها الذي قاله رسولهم ، « والتدميرُ » الإِهلاك مع طَمْس الآثار وهَدْمِ البناء . { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ … } الآية : مثال لقريشٍ ووعيدٌ لهم ، أي : لستم ببعيد مما حصلوا فيه إِن كذبتم ، وٱختلف في القرن ، وقد روى محمَّد بن القاسم في خَتْنِهِ عَبْد اللَّه بن بُسْر ، قال : " وضع رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَدَهُ على رأسه ، وقال : « سَيَعِيشُ هَذَا الغُلاَمُ قَرْناً » قُلْتُ : كم القَرْنُ ؟ قالَ : مِائَةُ سنة " قال محمد بن القاسِمِ : فما زِلْنَا نَعُدُّ له حتى كملِ مِائَةَ سنةٍ ، ثم ماتَ رحمه الله . والباء في قوله : { بِرَبِّكَ } زائدةٌ ، التقديرٌ وكفَى ربُّكَ ، وهذه الباء إِنما تجيء في الأغلب في مَدْحٍ أو ذمٍّ ، وقد يجيء « كَفَى » دون باء ، كقول الشاعر : [ الطويل ] @ … كَفَى الشَّيْبُ وَالإِسْلاَمُ لِلمَرْءِ ناهِيَا @@ وكقول الآخر : [ الطويل ] @ وَيُخْبرُني عَنْ غَائِبِ المَرْءِ هَدْيُهُ كَفَى الهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ المَرْءُ مُخْبِرَا @@ وقوله سبحانه : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ … } الآية : المعنى فإِن اللَّه يعجِّل لمن يريدُ من هؤلاء ما يشاء سبحانه ؛ على قراءة النون ، أو ما يشاء هذا المريدُ ؛ على قراءة الياء ، وقوله : { لِمَن نُّرِيدُ } شرط كافٍ على القراءتين ، وقال ابن إسحاق الفَزَارِيُّ : المعني لِمَنْ نريدُ هَلَكَتَه ، و « المدحورُ » المهان المُبْعَدُ المذَّلل المسخُوطُ عليه . وقوله سبحانه : { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ } ، أي : إِرادَة يقينِ وإِيمانٍ بها ، وباللَّهِ ورسالاتِهِ ، ثم شرَطَ سبحانه في مريدِ الآخرة أنْ يَسَعى لها سَعْيَها ، وهو ملازمُة أعمالِ الخير على حُكْم الشرع ، { فَأُوْلَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا } ولا يشكر اللَّه سعياً ولا عملاً إِلا أثابَ عليه ، وغَفَر بسببه ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديثِ الرجُلِ الذي سَقَى الكَلْبَ العاطِشَ : « فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ له » . وقوله سبحانه : { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاءِ وَهَـؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ } يحتملُ أنْ يريد بـــ « العطاء » الطاعات لمريد الآخرةِ ، والمعاصي لمريد العاجلةِ ، وروي هذا التأويل عن ابن عباس ، ويحتمل أن يريد بالعطاء رزقَ الدنيا ، وهو تأويل الحسن بن أبي الحسن ، وقتادة ، المعنى أنه سبحانه يرزقُ في الدنيا من يريد العاجلَة ومريدَ الآخرة ، وإِنما يقع التفاضُلُ والتبايُنُ في الآخرةِ ، ويتناسَبُ هذا المعنى مع قوله : { وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } ، أي : ممنوعاً ، وقَلَّمَا تصلح هذه العبارةُ لمن يُمَدّ بالمعاصي .