Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 2-4)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } ، أي : التوراة . وقوله : { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً … } الآية : التقديرُ : فعلنا ذلك ؛ لَئِلاَّ تتخذوا يا ذرية فـــ { ذُرِّيَّةَ } : منصوب على النداء ، وهذه مخاطبة للعالَم ، ويتجه نصبُ ( ذرِّيَّة ) على أنه مفعول بـ « تتخذوا » ويكون المعنى أَلاَّ يتخذوا بشراً إِلاها من دون اللَّه ، وقرأ أبو عمر وحده : « أَلاَّ يَتَّخِذُوا » بالياء ، على لفظ الغائب ، « والوكيل » ؛ هنا من التوكيل ، أي : متوكَّلاً عليه في الأمور ، فهو ندٌّ للَّه بهذا الوجه ، وقال مجاهد : { وَكِيلاً } : « شريكاً » ، ووصف نوح بالشُّكْر ؛ لأنه كان يحمد اللَّه في كل حالٍ ، وعلى كل نعمةٍ من المطعم والمشرب والملبس والبراز وغير ذلك صلى الله عليه وسلم قاله سلمانُ الفارسيُّ وغيره ، وقال ابن المبارك في « رقائقه » : أخبرنا ابنُ أبي ذئبٍ عن سعيدٍ المُقْبُرِيِّ عن أبيه عن عبد الله بن سَلاَمٍ : أن موسى عليه السلام قال : يا ربِّ ، ما الشكْرُ الذي ينبغي لَكَ ؟ قَالَ : يَا مُوسَى لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِي ، انتهى ، وقد رُوِّيناه مسنداً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أعني قوله : " لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّه " . وقوله سبحانَهُ : { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَني إِسْرَٰءِيلَ … } الآية : قالتْ فرقة : { قَضَيْنَا } معناه : في أم الكتاب . قال * ع * : وإنما يُلْبِسُ في هذا المكان تعديةُ { قَضَيْنَا } بـ « إلى » ، وتلخيصُ المعنى عندي : أنَّ هذا الأمر هو مما قضاه اللَّه عزَّ وجلَّ في أمِّ الكتاب على بني إسرائيل ، وألزمهم إياه ، ثم أخبرهم به في التَّوْرَاة على لسان موسى ، فلما أراد هنا الإعلام لنا بالأمريْنِ جميعاً في إيجازٍ ، جعل { قَضَيْنَا } دالَّة على النفوذ في أم الكتاب ، وقَرَن بها « إِلى » دالَّةً على إنزال الخير بذلك إلى بني إسرائيل ، والمعنى المقصودُ مفهومٌ خلالَ هذه الألفاظ ، ولهذا فسر ابنُ عباس مرةً بأنْ قال : { قَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ } ، معناه : أعلمناهم ، وقال مرَّةً : « قضينا عليهم » ، و { ٱلْكِتَـٰبِ } هنا ؛ التوراةُ لأن القَسَم في قوله : { لَتُفْسِدُنَّ } غير متوجِّه مع أنْ نجعل { ٱلْكِتَـٰبِ } هو اللوح المحفوظ . وقال * ص * : و { قَضَيْنَا } : مضمَّنٌ معنى « أوْحَيْنَا » ؛ ولذلك تعدَّى بـ « إلى » وأصله أنْ يتعدَّى بنفسه إِلى مفعولٍ واحدٍ ؛ كقوله سبحانه : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } [ القصص : 29 ] انتهى ، وهو حسنٌ موافق لكلام * ع * ، وقوله « ولتعلُنَّ » أي : لتتجبَّرُنَّ ، وتطلبون في الأرض العُلوَّ ، ومقتضى الآيات أن اللَّه سبحانه أعْلَمَ بني إسرائيل في التوراة ، أنه سيقع منهم عصيانٌ وكفرٌ لِنِعمِ اللَّه ، وأنه سيرسل عليهم أمةً تغلبهم وتذلُّهم ، ثم يرحمهم بعد ذلك ، ويجعل لهم الكَرَّة ويردُّهم إلى حالهم من الظهور ، ثم تقع منهم أيضاً تلك المعاصِي والقبائِحَ ، فيبعث اللَّه تعالى عليهم أمةً أخرى تخرِّب ديارهم ، وتقتلُهم ، وتجليهم جلاءً ، مبرِّحاً ، وأعطى الوجودَ بعد ذلك هذا الأمْرَ كلَّه ، قيل : كان بين المرتَيْنِ مِائَتَا سنةٍ ، وعَشْرُ سنينَ مُلْكاً مؤيَّداً بأنبياء ، وقيل : سبعون سنة .