Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 5-8)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَـٰهُمَا } الضمير في قوله : { أُولَـٰهُمَا } عائدٌ على قوله { مَرَّتَيْنِ } ، وعبَّر عن الشر بـ « الوعد » ؛ لأنه قد صرَّح بذكْرِ المعاقبة . قال * ص * : { وَعْدُ أُولَـٰهُمَا } ، أي : موعود ، وهو العقاب ، لأن الوعد سبق بذلك ، وقيلَ : هو على حذف مضاف ، أي وعد عقاب أولاهما . انتهى ، وهو معنى ما تقدَّم . واختلف الناس في العبيد المبعوثِينَ ، وفي صورة الحال ٱختلافاً شديداً متباعِداً ، عيونُهُ أنَّ بني إِسرائيل عَصَوْا وقتلوا زكريَّاء عليه السلام ، فغزاهُمْ سِنْجارِيبُ مَلِك بابل ، قاله ابن إسحاق وابن جَبْير . وقال ابن عباس : غزاهُمْ جالوتُ من أهْل الجزيرة ، وقيل : غزاهم بُخْتَ نَصَّرَ ، وروي أنه دخل قَبْلُ في جيش من الفرس ، وهو خامل يسير في مَطْبَخ الملك ، فٱطَّلع مِنْ جور بني إِسرائيل على ما لم تعلمه الفُرْسُ ، فَلمَّا انصرف الجيشُ ، ذكر ذلك للملك الأعظَمِ ، فلما كان بعد مدَّة ، جعله الملك رئيسَ جيشٍ ، وبعثه فخرَّب بيت المقدس ، وقتلهم ، وأجلاهم ، ثم انصرَفَ ، فوجد المَلِكَ قد ماتَ ، فمَلَكَ موضعه ، وٱستمرَّتْ حاله حتى ملك الأرْضَ بعد ذلك ، وقالت فرقة : إنما غزاهم بُخْتَ نَصَّرَ في المرَّة الأخيرة حين عَصَوْا وقتلوا يحيى بن زَكَرِيَّاءَ ، وصورة قتله : أن الملك أراد أنْ يتزوج بِنْتَ امرأته ، فنهاه يحيى عَنْها ، فعزَّ ذلك على امرأته ، فزَّينت بنْتَها ، وجعَلَتها تسقي المَلِك الخمر ، وقالت لها : إِذا راوَدَكَ عن نفسك ، فتمنَّعي حَتَّى يعطيَكِ المَلِكُ ما تَتَمَنَّيْنَ ، فإِذا قال لك : تَمنِّي عَلَيَّ ما أردتِّ ، فقولي : رأسَ يحيى بن زكرياء ، ففعلَتِ الجارية ذلك ، فردَّها الملك مرَّتَيْنِ ، وأجابها في الثالثة ، فجيء بالرأْسِ في طَسْتٍ ، ولسانُهُ يتكلَّم ، وهو يقول : لا تحلُّ لك ، وجرى دمُ يحيى ، فلم ينقطعْ ، فجعل الملك عليه التُرابَ ، حتى ساوى سور المدينةِ ، والدمُ ينبعث ، فلما غزاهم المَلِكُ الذي بُعِثَ عليهم بحسب الخِلاَفِ الذي فيه ، قَتَلَ منهم على الدمِ سبعين ألْفاً حتى سكَنَ ، هذا مقتضى خبرهم ، وفي بعض الروايات زيادة ونقصٌ ، وقرأ الناس : « فَجَاسُوا » ، وقرأ أبو السَّمَّال : بالحاء ، وهما بمعنى الغلبةِ والدخولِ قهراً ، وقال مُؤَرِّجٌ : جَاسُوا خِلاَلَ الأزِقَّةَ . * ت * قال * ص * : { جَاسُواْ } مضارعُه يَجُوسُ ، ومصدره جَوْسٌ وجَوَسَانٌ ، ومعناه : التردُّد ، و { خِلاَلَ } ظرف ، أي : وسط الديار انتهى . وقوله سبحانه : { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ … } الآية عبارة عما قاله سبحانه لبني إِسرائيل في التوراة ، وجعل « رددنا » موضع « نَرُدُّ » ، لما كان وعد اللَّه في غاية الثِّقَة ، وأنه واقع لا محالة ، فعبَّر عن المستقبل بالماضي ، وهذه الكرة هي بعد الجولة الأولى ، كما وصفْنا ، فغَلَبَتْ بنو إِسرائيل على بيت المقدس ، وملَكُوا فيه ، وحَسُنت حالهم بُرْهةً من الدهْرِ ، وأعطاهم اللَّه الأموالَ والأولادَ وجعلَهم إِذا نفروا إِلى أمْرٍ أكثر النَّاس ، فلما قال اللَّه : إِني سأفعل بُكْم هكذا ، اعقَّب بوصيَّتهم في قوله : { إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ . … } الآية ، والمعنى : إِنكم بعملكم تُجَازَوْنَ ، و { وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } معناه : من المرَّتَيْن . وقوله : { لِيَسُوءُواْ } اللام لام أمْرِ ، وقيل : المعنى : بعثناهم ، ليسوؤوا وليدخلوا ، فهي لام كْيِ كلّها ، والضمير للعباد أُولي البأس الشديد ، و { ٱلْمَسْجِدَ } مسجد بيت المقدس ، « وتَبَّر » معناه : أفسد بغشمٍ وركوب رأْس . وقوله : { مَا عَلَوْاْ } ، أي : ما علوا عليه من الأقطار ، وملكوه من البلاد ، وقيل : « ما » ظرفية ، والمعنى مدة علوهم وغلبتهم على البلاد . وقوله سبحانه : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ … } الآية : يقول اللَّه عزَّ وجلَّ لبقية بني إِسرائيل : عسى ربكم إِن أطعتم في أنفسكم وٱستقمتُمْ أنْ يرحمكم ، وهذه العِدَةُ ليست برجوعِ دولةٍ ، وإِنما هي بأنْ يرحم المطيع منهم ، وكان من الطاعة ٱتِّبَاعهم لعيسى ومحمَّد عليهما السلام ، فلم يفعلوا ، وعادوا إلى الكفر والمعصية ، فعاد عقابُ اللَّه عليهم بِضَرْبِ الذَّلة عليهم ، وقتلِهمْ وإذلالِهمْ بِيَدِ كلِّ أمة ، و « الحصير » : من الحَصْر بمعنى السَّجْن ، وبنحو هذا فسَّره مجاهد وغيره ، وقال الحسن : « الحصير » في الآية : أراد به ما يفترشُ ويُبْسَطُ ؛ كالحصير المعروف عند الناس . قال * ع * : وذلك الحصيرُ أيضاً هو مأخوذ من الحَصْر .