Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 36-38)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَلاَ تَقْفُ } معناه لا تقُلْ ولا تتَّبع ، واللفظة تستعملُ في القَذْف ؛ ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ لاَ نَقْفُوا أُمَّنَا ، وَلاَ نَنْتِفى مِنْ أَبِينَا " ، وأصل هذه اللفظة من اتباع الأثر ، تقول : قَفَوْتُ الأَثَرَ ، وحكى الطبريُّ عن فرقةٍ ؛ أنها قالَتْ : قَفَا وقَافَ ، مثل عَثَا وعَاث ، فمعنى الآية : ولا تتبع لسانَكَ من القول من ما لا عِلْمَ لك به ، وبالجملة : فهذه الآية تنهى عن قول الزور والقذفِ وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة والمُرْدِيَة . { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } عبَّر عن هذه الحواسِّ بـ { أُوْلَـٰئِكَ } . لأن لها إدراكاً وجعلها في هذه الآية مسؤولة ، فهي حالَةُ مَنْ يعقل . * ت * : قال * ص * : وما توهمه ابنُ عطية { أُوْلَـٰئِكَ } تختصُّ بمن يعقل ليس كذلك ؛ إِذ لا خلاف بين النحاة في جواز إطلاق « أولاء » و « أولئك » على مَنْ لا يعقل . * ت * : وقد نقل * ع * الجَوَازَ عن الزَّجَّاجِ وفي ألفِيَّةِ ابْنِ مالك : [ الرجز ] @ وبأُولَىٰ أَشِرْ لِجَمْعٍ مُطْلَقَا … @@ فقال والده بدر الدين : أي سواءٌ كان مذكَّراً أو مؤنَّثاً ، وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل ، وقد يجيء لغيره ؛ كقوله : [ الكامل ] @ ذُمَّ المَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى والعَيْشَ بَعْدَ أُوَلئِكَ الأَيَّامِ @@ وقد حكى * ع * البيْتَ ، وقال : الرواية فيه « الأقوامِ » ، واللَّه أعلم انتهى . والضمير في { عَنْهُ } يعودُ على ما ليس للإِنسان به عِلْم ، ويكون المعنى : إِن اللَّه تعالى يَسْأَل سَمْعَ الإِنسان وبَصَره وفُؤَاده عمَّا قال مما لاَ عْلَم له به ، فيقع تكذيبه مِنْ جوارحه ، وتلك غايةُ الخزْي ، ويحتمل أنْ يعود على { كُلٌّ } التي هي السمْعُ والبصر والفؤاد ، والمعنى : إن اللَّه تعالى يسأل الإِنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده . قال صاحبُ « الكَلِمِ الفَارِقِيَّة » : لا تَدَعْ جَدْوَلَ سمِعْكَ يجرى فيه أُجَاج الباطل ؛ فيلهب باطنك بنار الحِرْص على العاجل ، السَّمْعُ قُمْعٌ تغور فيه المعاني المَسْمُوعة إِلى قرار وعاء القَلْب ، فإنْ كانَتْ شريفةً لطيفةً ، شرَّفَتْه ولطَّفَتْه وهذَّبَتْه وزكَّتْه ، وإِن كانَتْ رذيلةً دنيَّةً ، رذَّلَتْه وخبَّثَتْه ، وكذلك البصَرُ منْفُذٌ مِنْ منافذ القَلْبِ ، فالحواسُّ الخمْسُ كالجداول والرواضِعِ تَرْضَعُ من أثداءِ الأشياء التي تُلاَبِسُها ، وتأخذ ما فيها من معانيها وأوصافها ، وتؤدِّيها إلى القَلْب وتنهيها . انتهى . وقوله سبحانه : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحًا } قرأ الجمهور { مَرَحاً } بفتح الحاء مصدر : مَرِحَ يَمْرَحُ ؛ إِذا تسيَّب مسروراً بدنياه ، مقبلاً على راحته ، فنُهِيَ الإِنسانُ أنْ يكون مشيه في الأرض على هذا الوجه ، وقرأت فرقةٌ : « مَرِحاً » بكسر الراء ، ثم قيل له : إِنك أيها المَرِحُ المختال الفخورُ ، لن تَخْرِقَ الأرض ، ولن تطاول الجبال بفخْرك وكبْرك ، « وخرق الأرض » قَطْعها ومَسْحها واستيفاؤها بالمشْي . وقوله سبحانهُ : { كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ } قرأ نافعٌ وابن كثير وأبو عمرو : « سَيِّئَةً » فالإِشارة بذلك على هذه القراءةِ إلى ما تقدَّم ذكره مما نهي عنه كقوله : { أُفٍّ } [ الإسراء : 23 ] وقذف الناس ، والمَرَحِ ، وغيرِ ذلك ، وقرأ عاصم وابن عامرٍ وحمزةُ والكسائيُّ « سَيِّئُهُ » على إضافة « سَيِّىء » إلى الضمير ، فتكون الإِشارة ؛ على هذه القراءة إلى جميع ما ذَكَرَ في هذه الآيات ؛ من بِرٍّ ومعصيةٍ ، ثم اختص ذكْر السَّيِّىء منه ، بأنه مكروه عند الله تعالى .