Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 61-74)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } الضمير في { بَيْنِهِمَا } : للبحرين ، قاله مجاهد ، وفي الحديث الصحيح : " ثُمَّ انْطَلَقَ ، وانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، حَتَّى أَتيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُؤُوَسَهُما ، فَنَامَا ، واضْطَربَ الحُوتُ في المكتلِ ، فَخَرجَ مِنْهُ فَسَقَط في البَحْرِ ، واتَّخَذَ سَبِيلَهُ في البَحْرِ سَرَباً ، أي : مسلكاً في جوفِ الماءِ ، وأمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الحُوتِ جَرْيَةَ المَاءِ ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّاقِ ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ، نَسِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخبَرَهُ بالحُوتِ ، فانْطَلَقَا بَقَّيِة يَوْمِهَما ، ولَيْلَتِهِما حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الغَدِ قال موسى لفتاه : { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } ويعني بـ « النصب » تعب الطريق ، قال : ولم يجدْ موسى النَّصَبَ حتَّى جاوَزَ المَكَان الذي أمره اللَّه به ، قال له فتاه : { أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ } ، يريد : ذكر ما جرى فيه ، { وَمَا أَنسَانِيهُ } ، أي أن أذكره { إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ } ، و { ٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَبًا } قال : فكان للحوتِ سَرَباً ولموسى وفتاه عَجَباً ، فقال موسَى : { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا } ، قال : فرجعا يَقُصَّان آثارهما حَتَّى انتهيا إلى الصخرة ، فإِذا رجُلٌ مُسَجَّى بثوبٍ ، فسَلَّم عليه موسى ، فقال الخَضِرُ : وأَنَّى بأرضِكَ السَّلاَمَ قال : أَنَا مُوسَى ، قَالَ : مُوسَى بَنِي إِسُرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعْم ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَني ممَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ، { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } يعني : لا تطيق أن تصبر على ما تراه من عملي لأن الظواهر التي هي عِلْمُكَ لا تعطيه ، وكيف تُصْبِرُ على ما تراه خطأً ، ولم تُخْبَرْ بوجه الحكمة فيه ؟ يا موسى ، إني على علْمٍ من علْمِ اللَّه ، علَّمنيه لا تَعْلَمُه ، يريد : علْم الباطنِ ، وأنْتَ على علْمٍ من علمِ اللَّه علَّمكه اللَّه ، لا أعلمه ، يريد : علْمَ الظاهرِ ، فقال له موسى : { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ ٱللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } ، فقال له الخضر : { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } ، أي : حتى أشرح لك ما ينبغي شرْحُه ، فانطلقا يمشيَانِ على ساحل البَحْرِ ، فمرت بهم سفينةٌ ، فكلَّموهم أنْ يحملوهم ، فعرفوا الخَضِرَ ، فحملوهم بغَيْر نَوْلٍ ، يقول : بغير أجْر ، فلما ركبا في السفينة ، لم يُفْجَأْ موسى إِلاَّ والخَضِرُ قد قلع لَوْحاً من ألواح السفينة بالقَدُومِ ، فقال له موسى ؛ قومٌ حملونا بغير نَوْلٍ ، عَمِدْتَّ إلى سفينتهم ، فخرقْتَها لتغرق أهلها ، { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } ، أي شنيعاً من الأمور ، وقال مجاهد : الإِمْرُ المُنْكَر ، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } قال أَبَيُّ بْنُ كعب ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : « فكانَتِ الأُولى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً ، قال : وَجَاءَ عُصْفُورٌ ، فَوَقَعَ على حَرْفِ السَّفِينَةِ ، فَنَقَرَ في البَحْرِ نُقْرَةً ، فَقَالَ لَهُ الخَضِرُ : ما عِلْمِي وعلْمُكَ مِنْ عِلْم اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا العُصْفُورُ مِنْ هَذَا البَحْرِ » ، وفي رواية : « واللَّهِ ، مَا عِلْمِي وعِلْمُكَ في جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كما أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمنْقَارِهِ من البَحْر » ، وفي رواية : « مَا عِلْمي وعِلْمُكَ وعِلْمُ الخَلاَئِقِ في عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هذا العُصْفُورُ منقاره » . قال * ع * : وهذا التشبيهُ فيه تجوُّز ؛ إِذ لا يوجد في المحْسُوسَات أقوى في القِلَّة من نقطة بالإِضافة إلى البحر ، فكأنها لا شَيْءَ ، ولم يتعرَّض الخَضِرُ لتحرير موازَنَةٍ بين المِثَال وبَيْنَ عِلْم اللَّه تعالى ، إِذ علمه سبحانه غير متناهٍ ، ونُقَطُ البحر متناهيةٌ ، ثم خَرَجَ من السفينة ، فبينما هما يَمْشِيَانِ على السَّاحل ، إذ أبصر الخضرُ غُلاَماً يَلْعَبُ مع الغْلمَان ، فأخذ الخَضِرُ رَأْسَهُ بيده ، فاقتلعه فَقَتَلَهُ ، فقال له موسى : أقتلت نفساً زاكية . قال * ع * : قيل : كان هذا الغلامُ لم يبْلُغ الحُلْم ، فلهذا قال موسى : نَفْساً زاكية ، وقالت فرقة : بل كان بالغاً . وقوله : { بِغَيْرِ نَفْسٍ } يقتضي أنه لو كان عَنْ قَتْلِ نفْسٍ ، لم يكن به بأْسٌ ، وهذا يدلُّ على كِبَرِ الغلامِ ، وإِلا فلو كان لم يحتلم ، لم يجبْ قتله بَنَفْس ولا بغير نفْس . * ت * : وهذا إِذا كان شَرْعُهم كَشَرْعنا ، وقد يكونُ شرعهم أنَّ النفْسَ بالنفْسِ عموماً في البالغ وغيره ، وفي العَمْد والخطأ ؛ فلا يلزم من الآية ما ذَكَرَ . وقوله : { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } معناه : شيئاً ينكر قال * ع * : ونصف القرآن بِعَدِّ الحروف . انتهى إلى النون من قوله : { نُّكْراً } .