Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 75-82)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } قال : وهذه أشدُّ من الأولى - { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً * فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } ، قال : مائل ، فقال الخَضِرُ بيده هكذا ، فأقامه ، فقال موسى : قومٌ أتيناهم ، فلم يُطْعِمُونا ، ولم يضيِّفونا { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } قال سعيدُ بنُ جُبَيْر : أجراً نأكله - « قال هذا فراق بيني وبينك » إِلى قوله : { ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرَهِمَا » قال سعيد : فكان ابن عباس يَقْرأُ : « وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ [ صَالِحَةِ ] غَضْباً » ، وكان يقرأ : « وأَمَّا الغُلاَمُ [ فَكَانَ كَافِراً ] وكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ » ، وفي رواية للبخاريِّ : يزعمون عن غَيْر سعيدِ بْنِ جُبَيْر ؛ أنَّ اسم المَلِكِ : هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ ، والغلام المقتولُ اسمه يزعمون حَيْسُورُ ، ويقال : جَيْسُورَ مَلِكٌ { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } ، فأردتُّ إِذا هِيَ مَرَّتْ به أنْ يَدَعَها لِعَيْبها ، فإِذا جَاوَزُوا أصْلَحُوها ، فانتفعوا بها ، ومنهم من يقول : سَدُّوها بقَارُورة ، ومنهم من يقول بالقَارِ ، { فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } ، وكان كافراً ، { فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـٰناً وَكُفْراً } أنْ يحملهما حبُّه على أنْ يتابعاه على دينه ، { فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـوٰةً } لقوله : « أقتلْتَ نفساً زاكية » ، { وَأَقْرَبَ رُحْماً } هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خَضِر ، وزعم غير سعيد أنهما أُبْدلا جاريةً ، وأما داوُدُ بن أبي عاصِمٍ ، فقال عن غير واحدٍ : إنها جاريةٌ . انتهى لفظُ البخاريِّ . * ت * : وقد تحرَّينا في هذا المختصر بحَمْد اللَّه التحقيقَ فيما علَّقناه جُهْد الاستطاعة ، واللَّه المستعان ، وهو المسؤول أن ينفع به بجُوده وكَرَمِهِ . قال * ع * : ويشبه أنْ تكون هذه القصَّة أيضاً أصلاً للآجالِ في الأحكام التي هي ثَلاَثَةٌ ، وأيام التلوم ثلاثةٌ ، فتأمَّله . وقوله سبحانه : { فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا } وفي الحديث : « أَنَّهُمَا كَانَا يَمْشِيَانِ عَلَى مَجَالِسِ أُولَئِكَ القَومِ يَسْتَطْعمَانِهِمْ » . قال * ع * : وهذه عبرة مصرِّحة بهوان الدنيا على اللَّه عزَّ وجلَّ . * ص * : وقوله : { فِرَاقُ بَيْنِي } الجمهور بإِضافة « فِرَاق » ، أبو البقاء ، أي تفريقُ وَصْلِنا ، وقرأ ابن أبي عَبْلَةَ « فِراقٌ » بالتنوين ، أبو البقاء و « بَيْنَ » : منصوبٌ على الظرفِ انتهى . قال * ع * : و { وَرَاءَهُم } هو عندي على بابه ، وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعًى بها الزمانُ ، وذلك أنَّ الحادث المقدَّم الوُجُودِ هو الأمامُ ، والذي يأتي بَعْدُ هو الوَرَاء ، وتأمَّل هذه الألفاظ في مواضِعِها حيْثُ وردَتْ تجدها تَطَّرد ، ومِن قرأ : « أَمامَهُمْ » ، أراد في المكان . قال * ع * : وفي الحديث ، « أنَّ هَذَا الغُلاَمَ طُبِعَ يَوْمَ طُبعَ كافِراً » ، والضمير في « خشينا » للخضِرِ ، قال الداووديُّ : قوله : { فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا } ، أي : علمنا انتهى . « والزَكَاةُ » شرف الخُلُق والوقارُ والسكينةُ المنطويةُ على خَيْرٍ ونيَّة ، « والرُّحْم » الرحمة ، وروي عن ابن جُرَيْج ، أنهما بُدِّلا غلاماً مسْلِماً ، وروي عنه أنهما بُدِّلا جاريةً ، وحكى النَّقَّاش أنها وَلَدَتْ هي وَذُرِّيَّتُها سبعين نبيًّا ، وذكره المهدويُّ عن ابن عباس ، وهذا بعيدٌ ، ولا تُعْرَف كثرة الأنبياءِ إِلا في بني إسرائيل ، وهذه المرأة لم تكُنْ فيهم ، واختلف النَّاسُ في هذا الكنز المذكور هنا ، فقال ابن عباس : كان عِلْماً في صُحُف مدفونةٍ ، وقال عمر مولى غَفْرَة : كان لَوْحاً من ذَهَبٍ قد كُتِبَ فيه : « عجباً للموقِنِ بالرِّزْقِ كيف يَتْعَبُ ، وعجباً للموقِنِ بالحسابِ كيف يَغْفَلُ ، وعجباً للموقِنِ بالمَوْتِ كيف يَفُرَحُ » ، وروي نحو هذا مما هو في معناه ، وقال الداووديُّ : { كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ذَهَبٌ وفِضَّة » انتهى ، فإِن صحَّ هذا الحديثُ ، فلا نظر لأحَدٍ معه ، فاللَّه أعلم أيَّ ذلك كَانَ . وقوله سبحانه : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحاً } ظاهر اللفظِ ، والسابقُ منه إِلى الذهنِ أنه والدهما دِنْيَةً ، وقيل : هو الأب السابعُ ، وقيل : العاشر ، فَحُفِظَا فيه ، وفي الحديثِ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُ الرَّجُلَ الصَّالِحَ في ذُريتِهِ " ، وقول الخضر : { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } ، يقتضي أنه نَبِيٌّ ، وقد اختلف فيه ، فقيل : هو نبيٌّ ، وقيل : عَبْدٌ صالح ، وليس بنبيٍّ ؛ وكذلك اختلف في موته وحياته ، واللَّه أعلم بجميع ذلك ، ومما يقضي بموت الخَضِر قوُلُه صلى الله عليه وسلم : " أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ ، فَإِنَّ إِلى رَأْسِ مِائَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ على ظَهْرِ الأَرضِ أحد " . قال القرطبيُّ في « تذكرته » : وذكر عن عمرو بن دِينَارٍ : الخَضِرُ وإِلياسُ عليهما السلام حَيَّانِ ، فإِذا رفع القرآن ماتا قال القرطبيُّ : وهذا هو الصحيحُ انتهى ، وحكاياتُ مَنْ رأَى الخَضِرَ من الأولياء لا تحصَى كثرةٍ فلا نطيلُ بَسْردها ، وانظر « لطائِفَ المِنَن » لابن عطاء اللَّه . وقوله : { ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ } : أي مآل ، وحكى السُّهَيْليُّ أنه لما حان للخَضِر وموسى أن يفترقا ، قال له الخَضر : لو صَبَرْتَ ، لأَتَيْتَ عَلَى أَلْفِ عَجَبٍ ، كلُّها أعجبُ ممَّا رأَيْتَ ، فبكى موسى ، وقالَ للخَضِر : أوْصِنِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فقال : يا مُوسَى ، اجْعَلْ همَّك في معادِكَ ، ولا تَخُضْ فيما لا يَعْنِيك ، ولا تأمَنْ مِنَ الخوفِ في أمْنِكَ ، ولا تَيْئَس من الأمن في خوفك ، وتدَّبر الأمورَ في علانيتِكَ ، ولا تَذَر الإحسانَ في قُدْرتك ، فقال له موسى : زِدْنِي يرحمك اللَّه ، فقال له الخَضِر : يا مَوسَى ، إِياكَ واللَّجَاجَةُ ، ولا تَمْش في غير حَاجَةٍ ، ولا تَضْحَكْ من غَيْر عَجَبٍ ، ولا تعير أحداً ، وابكِ على خطيئتك يَا بْنَ عِمران . انتهى .