Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 83-92)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } « ذو القرنين » ، هو المَلِكُ الإسْكَنْدَرُ اليُونَانِيُّ ، واختلف في وَجْه تسميته بـ « ذي القَرْنَيْنِ » وأحسنُ ما قيل فيه : أنه كان ذا ظفِيرَتين ، من شَعْرهما قرناه ، والتمكينُ له في الأرض : أنه مَلَكَ الدنيا ، ودانَتْ له الملوك كلها ، وروي أن جميع من مَلَكَ الدنيا كلَّها أربعَةٌ ، مُؤْمِنَانِ وكافران ؛ فالمُؤْمِنَانِ : سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام ، والإسْكَنْدَرُ ، والكافِرَانِ : نُمْرُود ، وبُخْتَ نَصَّرَ . وقوله سبحانه : { وَآتَيْنَـٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } معناه : علْماً في كل أمْرٍ ، وأقيسةً يتوصَّل بها إِلى معرفة الأشياء ، وقوله : { كُلِّ شَيْءٍ } عمومٌ معناه الخصوص في كلِّ ما يمكنه أنْ يعلمه ويحتاجُ إلَيْه ، وقوله : { فَأَتْبَعَ سَبَباً } ، أي : طريقاً مسلوكةً ، وقرأ نافع وابن كثير : وحفص عن عاصم : « في عَيْنٍ حِمِئَة » ، أي : ذاتِ حَمْأة ، وقرأ الباقون : « في عَيْنٍ حَامِيَةٍ » ، أي : حارَّة ، وذهب الطبريُّ إلى الجمع بين الأمرين ، فقال : يحتملُ أن تكون العين حارَّة ذاتَ حَمْأة ؛ واستدلَّ بعضُ الناس على أن ذا القرنَيْن نبيٌّ بقوله تعالى : { قُلْنَا يَٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } ، ومن قال : إنه ليس بنبيٍّ ، قال كانت هذه المقالةُ مِنَ اللَّهِ له بإِلهامِ . قال * ع * : والقول بأنه نبيٌّ ضعيفٌ ، و { إِمَّا أَن تُعَذِّبَ } معناه : بالقَتْلِ على الكُفْر ، { وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } ، أي : إِن آمنوا ، وذهب الطبري إِلى أنَّ اتخاذه الحُسْن هو الأسْرُ مع كُفْرهم ، ويحتمل أنْ يكون الاتخاذ ضَرْبَ الجزية ، ولكنْ تقسيم ذي القرنين بعد هذا الأمْر إِلى كفر وإيمان يردُّ هذا القوْلَ بعْضَ الردِّ ، و { ظَلَمَ } ؛ في هذه الآية : بمعنى كَفَر ، وقوله : { عَذَاباً نُّكْراً } ، أي : تنكره الأوهام ، لِعَظَمِهِ ، وتستهوله ، و { ٱلْحُسْنَىٰ } يراد بها الجَنَّة . وقوله تعالى : { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } المعنى : ثم سلك ذو القرنين الطُّرُق المؤدِّية إِلى مَقْصِده ، وكان ذو القرنَيْن ، على ما وقع في كُتُب التاريخ يَدُوسُ الأرض بالجيوشِ الثِّقَال ، والسِّيرةِ الحميدةِ ، والحَزْمِ المستيقِظِ ، والتأيِيدِ المتواصِلِ ، وتقوى اللَّه عزَّ وجلَّ ، فما لقي أُمَّةً ، ولامَرَّ بمدينةٍ إِلا ذَلَّتْ ودَخَلَتْ في طاعته ، وكُلُّ من عارضه أوْ توقَّف عن أمْره ، جعله عظةً وآيةً لغيره ، وله في هذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ وغرائبُ ، مَحَلُّ ذكرها كُتُبُ التاريخ . وقوله : { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ } المراد بـــ « القوم » الزَّنْج ، قاله قتادة ، وهم الهنود وما وراءهم ، وقال الناس في قوله سبحانه : { لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً } معناه : أنهم ليس لهم بنيانٌ ، إِذ لا تحتمل أرضهم البناءَ وإِنما يدخلون مِنْ حَرِّ الشمس في أسْرَابٍ ، وقيل : يدخلون في مَاءِ البَحْر ؛ قاله الحسن وغيره ، وأكْثَرَ المفسِّرون في هذا المعنى ، والظاهر من اللفظ أنها عبارة بَلِيغَةٌ عن قُرْب الشمس منهم ، ولو كان لهم أسرابٌ تغني لكان سِتْراً كثيفاً . وقوله : { كَذَٰلِكَ } معناه : فَعَلَ معهم كَفِعْله مع الأولين أهْلِ المَغْرب ، فأوجز بقوله : { كَذَٰلِكَ } .