Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 9-10)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَـٰتِنَا عَجَبًا } ، أي : ليسوا بعجب من آياتِ اللَّهِ ، أي فلا يَعْظُمْ ذلك عليك بحسب ما عَظَّمه السائلون ، فإِن سائر آيات اللَّه أعظَمُ من قصتهم ، وهو قول ابن عباس وغيره ، واختلف الناس في { الرَّقِيمِ } ما هو ؟ اختلافاً كثيراً ، فقيل : « الرقيم » كتابٌ في لوحِ نُحَاسٍ ، وقيل : في لوحِ رَصَاصٍ ، وقيل : في لوحِ حجارةٍ كتبوا فيه قصَّة أهْل الكهفِ ، وقيل غير هذا ، وروي عن ابن عباس ؛ أنه قال : ما أدْرِي مَا الرَّقِيم ؟ قال * ع * : ويظهر من هذه الرواياتِ ؛ أنهم كانوا قوماً مؤَرِّخين ، وذلك مِنْ نُبْل المملكة ، وهو أمر مفيدٌ . وقوله سبحانه : { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } : { ٱلْفِتْيَةُ } ، فيما روي ؛ قوم من أبناء أشرافِ مدينةِ دِقْيُوس المَلِكِ الكافِرِ ، ويقال فيه « دقيانوس » ، وروي أنهم كانوا مُطَوَّقين مسَوَّرين بالذهب ، وهم من الروم ، واتبعوا دينَ عيسَى ، وقيل : كانوا قبل عيسَى ، واختلف الرواةُ في قصصهم ، ونذْكُر من الخلافِ عُيُونَه ، وما لا تستغني الآية عنه : فروي عن مجاهدٍ عن ابن عباس ، أن هؤلاء الفتية كانوا في دينِ مَلِكٍ يعبد الأصنام ، فوقَع للفتيةِ عِلْمٌ من بعض الحواريِّين ، حَسْبما ذكره النَّقَّاش ، أو من مؤمني الأمم قبلهم ، فآمنوا باللَّه ، ورأَوا ببصائرهم قَبِيحَ فعْل الناس ، فرفع أمرهم إِلى المَلِك ، فاستحضَرَهُمْ ، وأمرهم بالرجُوعِ إِلى دينه ، فقالوا له فيما رُوِيَ : { رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الكهف : 14 ] الآية ، فقال لهم الملك : إِنَّكُمْ شُبَّانٌ أغْمَارٌ ، لا عَقْل لكم ، وأَنا لا أعْجَلُ عليكم ، وضَرَبَ لهم أجلاً ثم سافر خِلاَلَ الأجَلِ ، فتشاور الفتْيَةُ في الهروبِ بأديانهم ، فقال لهم أحَدُهم : إِني أعْرِفُ كهْفاً في جَبَلِ كذا ، فلنذهب إِليه . وروت فرقةٌ إنَّ أمر أصحاب الكهْف إنما كان أنهم من أبناء الأشْرَافِ ، فحضر عيدٌ لأهْلِ المدينة ، فرأى الفتْيَةُ ما ينتحله الناسُ في ذلك العِيدِ من الكُفْرِ وعبَادة الأصنام ، فوقع الإِيمانُ في قلوبهم ، وأجمعوا على مفارقة دِينِ الكَفَرة ، وروي أنهم خَرَجُوا ، وهُمْ يلعبون بالصَّوْلَجَانِ والكَرة ، وهم يدحرجونها إِلى نحو طريقهم ؛ لئلاَّ يشعر الناس بهم ؛ حتى وصلوا إِلى الكهف ، وأما الكلب فرِوِيَ أنه كان كَلْبَ صيدٍ لبعضهم ، وروي أنهم وجدوا في طريقهم رَاعياً له كلْبٌ ، فٱتبعهم الراعي على رأيهم ، وذهب الكلْبُ معهم ، فدخلوا الغَارَ ، فروت فرقة أن اللَّه سبحانه ضَرَبَ على آذانهم عند ذلك ، لما أراد مِنْ سَتْرهم وخَفِيَ على أهْل المملكة مكانُهم ، وعَجِبَ الناسُ من غَرَابة فَقْدهم ، فأرَّخوا ذلك ورقَّموه في لوحَيْنِ من رصاصٍ أو نحاسٍ ، وجعلوه على باب المدينةِ ، وقيل على الرواية : إِن الملك بَنَى باب الغار ، وإِنهم دفنوا ذلك في بِنَاءِ الملِك على الغار ، وروت فرقة ، أن المَلِك لما علم بذَهَاب الفتية ، أَمَرَ بقَصِّ آثارهم إِلى باب الغار ، وأمر بالدخول عليهم ، فهَابَ الرجالُ ذلك ، فقال له بعضُ وزرائه : « أَلَسْتَ أيها المَلِكُ إِن أخرجتَهم قتلَتهم ؟ قال : نعم ، قال : فأيُّ قِتْلة أبلغُ من الجُوع والعَطَش ، ٱبْنَ عليهم باب الغارِ ، ودعْهم يموتوا فيه ، ففعل ، وقد ضَرَبَ اللَّه على آذانهم كما تقدَّم ، ثم أخبر اللَّه سبحانه عن الفتْيَة أنهم لما أَوَوْا إِلى الكَهْف ، أي : دخلوه وجعلوه مأوًى لهم وموضعَ ٱعتصامٍ دَعَوُا اللَّه تعالى بأن يؤتيهم من عنده رحمةً ، وهي الرْزقُ فيما ذكره المفسِّرون ، وأن يهيِّىء لهم من أمرهم رَشَدَاً ؛ خلاصاً جميلاً ، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم ، وألفاظهم تقتضي ذلك ، وقد كانوا على ثقةٍ من رَشَدِ الآخرة ورحمتها ، وينبغي لكُلِّ مؤمن أنْ يجعَلَ دعاءه في أمر دنياه بهذه الآية الكريمة فقطْ ؛ فإنها كافية ، ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمْر الآخرة .