Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 24-28)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقولُهُ سبحانه : { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ } قرأ ابنُ كَثِير ، وأبو عَمْرو ، وٱبنُ عامرٍ ، وعَاصِمٌ : « فناداها مَنْ تحتها » على أَن « مَنْ » فاعل بنادى ، والمراد بِـ « مَنْ » عيسى ؛ قاله مجاهدٌ ، والحسنُ ، وابنُ جُبَيْرٍ ، وأَبي بنَ كَعْب . وقال ابن عباس : المراد بـ « مَنْ » جِبْرِيلُ , ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها . والقول الأولُ أَظهر وأبْيَنُ ، وبه يتبيّن عُذْر مريم ، ولا تبقى بها استرابة . وقرأ نافعٌ ، وحمزةُ ، والكِسَائِيُّ ، وحَفْصٌ ، عن عَاصِمٍ : « مِنْ تَحْتِهَا » بكسر الميم ، واختلفوا أَيضاً فقالت فرقةٌ : المرادُ عِيسَىٰ ، وقالت فِرْقَةٌ : المراد جِبْرِيلُ المحاور لها قَبْلُ . قالوا : وكان في بُقْعة أَخفضَ من البُقْعة الَّتي كانت هي عليها ؛ والأَول أَظهَرُ . وقرأ ابنُ عباس : « فَنَادَاهَا مَلَكٌ مِن تَحْتِهَا » . والسَّرِيُّ : من الرجال العظيمُ السيّد ، والسري : أَيضاً الجدولُ مِنَ الماء ؛ وبحسَبِ هذا اختلف النّاسُ في هذه الآية . فقال قتادةُ ، وابنُ زيدٍ : أَراد جعل تحتك عَظِيماً من الرجال ، له شأنٌ . وقال الجمهورُ : أَشار لها إلى الجَدْول ، ثم أَمرها بهز الجِذْع اليابِس ؛ لترى آيَةً أُخْرى . وقالت فرقةٌ : بل كانت النخْلة مطعمة رطباً ، وقال السُّدِّيُّ : كان الجِذْع مقطوعاً ، وأجري تحتها النهر لحينه . قال * ع * : والظاهر من الآية : أَن عِيسَىٰ هو المكلِّم لها ، وأَن الجِذْع كان يَابِساً ؛ فهي آيات تسليها ، وتسكن إليها . قال * ص * : قوله : { وهُزِّي إلَيْكِ } تقرر في عِلْم النحو أَن الفِعْل لا يتعدَّى إلى ضمير مُتّصلٍ ، وقد رفع المتصل ، وهما لمدلول واحد ، وإذا تقرر هذا ؛ فـ « إِليك » لا يتعلق بـ « هُزِّي » ، ولكن يمكن أَن يكون « إلَيْك » حالاً من جِذْع النخلة ؛ فيتعلَّق بمحذْوفٍ ؛ أَيْ : هزي بجذْع النخلة مُنْتهياً إليك . انتهى . والباءُ في قوله : { بِجِذْعِ } : زائدةٌ موكّدة ، و { جَنِيّاً } : معناه : قد طابت وصلحَتْ لِلاجْتناء ، وهو من جَنَيْتُ الثمرةَ . وقال عَمْرُو بْنُ مَيْمُون : ليس شيءٌ للنُّفَسَاءِ خيراً من التَّمر ، والرُّطَب . وقرةُ العَيْن مأْخُوذةَ من القُرِّ ؛ وذلك ، أَنَّهُ يحكى : أَن دمعَ الفرح باردُ المسِّ ، ودمعَ الحُزْن سخن المس ، وقِيلَ : غير هذا . قال * ص * : { وَقَرِّي عَيْناً } أَيْ : طِيبي نفساً . أَبو البَقَاءِ : « عيناً » : تمييز . اهـــ . وقوله سبحانه : { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلْبَشَرِ أَحَداً … } الآية ، المعنى : أَن اللّه عز وجل أمرها على لسان جِبْرِيلَ عليه السلام أو ٱبنها ؛ على الخلاف المتقدم : بأن تُمْسك عن مخاطبة البشر ، وتحيل على ٱبنها في ذلك ؛ ليرتفع عنها خجلها ، وتبين الآية ؛ فيقوم عذرها . وظاهر الآية : أَنها أُبِيح لها أن تقولَ مضمن هذه الألفاظ الّتي في الآية ؛ وهو قولُ الجمهور . وقالت فرقةٌ : معنى { قُولِي } بالإشارة ، لا بالكلام . قال * ص * : وقولُه : { فَقُولِي } جوابُ الشرط ، وبينهما جملةٌ محذوفةٌ يدل عليها المعنى ؛ أيْ فَإمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحداً ، وسألك أو حاورك الكلام ، فقولي . انتهى . و { صَوْماً } معناه عن الكلام ؛ إذ أَصلُ الصوم الإمساكُ . وقرأَتْ فرقةٌ : « إني نَذَرْتُ لِلرَّحْمـٰنِ صَمْتاً » ولا يجوز في شَرْعِنا نذرُ الصمتِ ؛ فروي : أَن مريم عليها السلام لمَّا اطمأنَّت بما رأت مِنَ الآياتِ ، وعلمت أَن اللّه تعالى سيبيِّنُ عذرَها ، أَتَتْ به تحمله مدلة من المكان القَصِيّ الذي كانت مُنْتبذةً به ، والفَرِيُّ : العظيمُ الشَّنِيعُ ؛ قاله مجاهد ، والسُّدِّيُّ ، وأكثرُ استعماله في السُّوء . واختُلِف في معنى قوله تعالى : { يَـٰأَخْتَ هَـٰرُونَ } ، فقيل : كان لها أَخٌ اسمه هارون ؛ لأَن هذا الاِسْم كان كَثِيراً في بني إسْرَائِيل . ورَوَى المغيرةُ بن شُعْبة : أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَرسله إلى أَهْلِ نَجْرَانَ في أمْرٍ من الأُمُور ، فقالتْ له النصارى : إن صَاحِبَك يزعم أَنَّ مريمَ هي أُخْت هارون ، وبينهما في المدّةِ ستُّ مائةِ سنة . قال المغيرةُ : فلم أَدر ما أقول ، فلما قَدِمْتُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكرتُ ذلك له ، فقال : أَلَمْ يَعْلَمُوا أنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياءِ والصّالحين . قال * ع * : فالمعنى أَنه اسم وافق ٱسماً . وقيل : نسبُوها إلى هَارُون أَخِي مُوسَى ؛ لأَنها مِنْ نَسْله ؛ ومنه قولُه صلى الله عليه وسلم : " إن أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ ، وَمَنْ أَذَّنَ ، فَهُوَ يُقِيمٌ " . وقال قتادةُ : نسبوها إلىٰ هَارُونَ اسم رَجُلٍ صَالِحٍ في ذلك الزمان . وقالتْ فرقةٌ : بل كان في ذلك الزمان رجلٌ فاجِرٌ اسمه هَارُون نسبُوها إليه ؛ علىٰ جهة التَّعْيِير . * ت * : واللّهُ أعلمُ بصحّة هذا ، وما رواه المُغِيرة إنْ ثبت هو المعوَّلُ عليه ، وقولهم : { مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ } المعنى : ما كان أَبُوك ، ولا أمّك أهلاً لهذه الفِعْلة ، فكيف جِئْت أنت بها ؟ والبَغِيّ : الّتي تبغِي الزَّنَا ، أي : تطلبه .