Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 198-199)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ … } الآية : الجُنَاحُ : أعم من الإِثم ؛ لأنه فيما يقتضي العقابَ ، وفي ما يقتضي الزجْرَ والعتاب . و { تَبْتَغُواْ } : معناه : تَطْلبوا ، أي : لا دَرك في أنْ تتجروا وتطلبوا الربْحَ . وقوله تعالى : { فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَـٰتٍ } : أجمع أهْل العْلمِ على تمامِ حجِّ من وقف بعرفاتٍ بعد الزوال ، وأفاض نهاراً قبل الليل إِلا مالك بن أنس ، فإِنه قال : لا بدَّ أن يأخذ من الليل شيئاً ، وأمَّا من وقف بعرفة ليلاً ، فلا خلافَ بيْن الأمَّة في تمام حَجِّه . وأفاض القومُ أو الجيشُ ، إِذا اندفعوا جملةً ، واختلف في تسميتها عرفةَ ، والظاهر أنه اسم مرتجلٌ ؛ كسائر أسماء البقاع ، وعرفةُ هي نَعْمَانُ الأَرَاكِ ، والمَشْعَر الحَرَامُ جمعٌ كله ، وهو ما بين جبلَيِ المزدَلِفَةِ من حَدِّ مُفْضَىٰ مَأْزِمَي عرفَةَ إِلى بطن مُحَسِّرٍ ، قاله ابن عبَّاس وغيره ، فهي كلُّها مشعر إِلا بطن مُحَسِّرٍ ؛ كما أن عرفة كلُّها موقف إِلا بطن عُرَنَةَ بفتح الراء وضمها ، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ ، والمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَشْعرٌ ، أَلاَ وَٱرْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ " ، وذكر هذا عبد اللَّه بن الزُّبَيْرِ في خطبته ، وذِكْرُ اللَّه تعالَىٰ عند المشعر الحرام ندْبٌ عند أهل العلْم ، قال مالك : ومن مَرَّ به ، ولم ينزلْ ، فعليه دَمٌ . وقوله تعالى : { وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } تعديد للنعمة ، وأمر بشكرها . * ص * : { كَمَا هَدَاكُمْ } : الكاف للتشبيهِ ، وهو في موضع نصْبٍ على النعت لمصدرٍ محذوفٍ ، و « مَا » مصدريةٌ ، أي : كهدايتِهِ ، فتكون « مَا » وما بعدها في موضع جَرٍّ ، إِذ يَنْسَبِكُ منْها مع الفعل مصْدَرٌ ، ويَحتملُ أن تكون للتعليلِ على مذهب الأخفش ، وابن بَرْهَانَ ، وجوَّز ابن عطيَّة وغيره ، أنْ تكون « مَا » كافَّة للكاف عن العَمَل ، والأول أولى ؛ لأن فيه إِقرار الكافِ علَىٰ عملها الجرّ ، وقد منع صاحبُ « المُسْتَوْفَىٰ » أنْ تكون الكافُ مكفوفةً بـــ « مَا » ؛ واحتج من أثبته بقوله : [ الوافر ] @ لَعَمْرُكَ إِنَّنِي وَأَبَا حُمَيْدٍ كَمَا النِّسْوَانُ وَالرَّجُلُ الْحَلِيمُ أُريدُ هِجَاءَهُ وَأَخَافُ رَبِّي وَأَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ لَئِيمٌ @@ انتهى . ثم ذكّرهم سبحانه بحالِ ضلالهم ؛ ليظهر قدر إِنعامه عليهم . { وَإِن كُنتُمْ مِّن قَبْلِهِ } ، أي : من قبل الهُدَىٰ . وقوله سبحانه : { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } المخاطب بهذه الآيةِ قريشٌ ، ومن وَلَدَتْ ، قاله ابن عبَّاس وغيره ، وذلك أنهم كانوا لا يخرجُونَ من الحَرَم ، ويَقِفُون بجَمْعٍ ، ويفيضون منْه ، مع معرفته أنَّ عرفة هي موقفُ إِبراهيم ، فقِيلَ لهم : أفيضُوا من حيثُ أفاضَ النَّاس ، أي : من عرفة ، « ثُمَّ » ليست في هذه الآية للترتيبِ ، إِنما هي لعطف جملة كلامٍ على جملة هي منها منقطعةٌ . وقال الضَّحَّاك : المخاطب بالآيةِ جملةُ الأمَّة ، والمرادُ بالناسِ إبراهيم ، ويحتملُ أن تكون إِفاضةً أخرَىٰ ، وهي التي من المزدلفة ، وعلَىٰ هذا عوَّل الطَبريُّ ، فتكون « ثُمَّ » على بابها ، وقرأ سعيدُ بن جُبَيْر : « النَّاسِي » ، وتأوَّله آدم - عليه السلام - ، وأمر عز وجل بالٱستغفارِ ؛ لأنها مواطنه ، ومظَانُّ القبولِ ، ومساقطُ الرحْمَةِ ، وفي الحديث أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَطَب عشيَّة عَرَفَةَ ، فقال : " « أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامِكُمْ هَذَا ، فَقَبِلَ مِنْ مُحْسِنِكُمْ وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ ، إِلاَّ التَّبِعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ ، أَفِيضُوا عَلَى ٱسْمِ اللَّهِ » ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ جَمْعٍ ، خَطَبَ ، فَقَالَ : « أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ ، فَعَوَّضَ التَّبِعَاتِ مِنْ عِنْدِهِ » " .