Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 200-202)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ } … الآية . قال مجاهد : المناسكُ : الذبائحُ ، وهي إِراقة الدِّماء . * ع * : والمناسكُ عندي العباداتُ في معالمِ الحجِّ ، ومواضع النسك فيه . والمعنَىٰ : إِذا فرغتُمْ من حجِّكم الذي هو الوقوفُ بعرفة ، فٱذكروا اللَّه بمحامده ، وأثْنُوا عليه بآلائه عندكم ، وكانت عادَةُ العَرَبِ ، إِذا قَضَتْ حجَّها ، تقفُ عند الجَمْرة تتفاخَرُ بالآباء ، وتذكر أيام أسلافها ؛ من بَسَالةٍ ، وكَرَم ، وغير ذلك ، فنزلَتِ الآية ، أنْ يُلْزِموا أنفسهم ذكر اللـه تعالى أكثر من التزامهم ذكر آبائهم بأيامِ الجاهلية ، هذا قول جمهور المفسِّرين . وقال ابن عبَّاس ، وعطاء : معنى الآيةِ : وٱذكروا اللَّه ؛ كذكر الأطفال آباءهم ، وأمهاتهمْ ، أي : فاستغيثوا به ، والْجئوا إِليه . قال النوويُّ في « حليته » : والمرادُ من الذِّكْر حضورُ القَلْب ، فينبغي أن يكون هو مقصودَ الذاكر ، فيحرص على تحصيله ، ويتدبَّر ما يذكر ، ويتعقَّل معناه ، فالتدبُّر في الذكْر مطلوبٌ ؛ كما هو مطلوب في القراءة ؛ لاشتراكهما في المعنَى المقصود ، ولهذا كان المذهبُ الصحيحُ المختارُ استحبابَ مَدِّ الذاكرِ قوله : « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » ، لما فيه من التدبُّر ، وأقوالُ السلفِ ، وأئمةِ الخَلَف في هذا مشهورةٌ . انتهى . قال الشيخُ العارفُ أبو عبد اللَّه محمَّد بن أحمد الأنصاريُّ الساحليُّ المَالقِيُّ : ومنفعةُ الذكْرِ أبداً إِنما هي تَتْبع معناه بالفكْرِ ؛ ليقتبس الذاكِرُ من ذُكْرِهِ أنوار المعرفة ، ويحصل على اللُّبِّ المراد ، ولا خير في ذِكْرٍ مع قَلْبٍ غافلٍ ساهٍ ، ولا مع تضْييعِ شيءٍ من رسوم الشرعِ ، وقال في موضعٍ آخر من هذا الكتاب الذي ألَّفه في « السُّلوك » : ولا مَطْمع للذَّاكر في دَرْكِ حقائقِ الذِّكْرِ إِلا بإِعمال الفكْر فيما تحْت ألفاظ الذكْر من المعانِي ، وليدفع خَطَرات نفْسه عن باطنه راجِعاً إِلى مقتضى ذكْره ؛ حتى يغلب معنى الذكْر علَىٰ قلبه ، وقد آن له أنْ يدخل في دائرة أهْل المحاضَرَات . انتهى . وقوله تعالى : { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا … } الآية : قال أبو وائلٍ وغيره : كانت عادتهم في الجاهلية الدُّعَاءَ في مصالحِ الدنْيا فقطْ ؛ إذ كانوا لا يعرفون الآخرةَ ، فَنُهُوا عن ذلك الدعاءِ المخصوصِ بأمر الدنيا ، وجاء النهْيُ في صيغة الخبر عنه ، والخَلاَقُ : الحظُّ ، والنصيبُ . قال الحسنُ بْنُ أبي الحَسَن : حَسَنَةُ الدنيا : العلْمُ والعبَادة . * ع * : واللفظ أَعمُّ من هذا ، وحَسَنةُ الآخِرة الجنَّة ؛ بإِجماع ، وعن أنس : قال : كان أكثر دعاءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " رواه البخاريُّ ومسلم وغيرهما ، زاد مسلمٌ : « وكَانَ أَنَسٌ ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ » . انتهى . { أُوْلَٰـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ } وعْدٌ علَىٰ كسْب الأعمال الصالحة ، والربُّ سبحانه سريعُ الحسابِ ؛ لأنه لا يحتاجُ إِلى عقْد ، ولا إِعمال فكْر ، قيل لعليٍّ - رضي اللَّه عنه - : كيف يحاسِبُ اللَّه الخلائِقَ في يَوْمٍ ، فقال : كما يَرْزُقُهُمْ فِي يومٍ ، وقيل : الحسابُ هنا : المجازاتُ . وقيل : معنى الآية : سريعُ مجيءِ يومِ الحسابِ ، فيكون المقصدُ بالآية الإِنذارَ بيَوْم القيامة .