Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 203-205)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ } . أَمَرَ اللَّه سبحانه بذكْره في الاْيام المعدوداتِ ، وهي الثلاثة الَّتي بعد يَوْم النحر ، ومن جملة الذكْر التكبيرُ في إِثْر الصَّلواتِ . قال مالك : يكبِّر من صلاة الظُّهْر يوم النَّحْر إِلى صلاة الصُّبْح من آخر أيام التَّشْريق ، وبه قال الشافعيُّ ، ومشهور مذهبِ مالكٍ ، أنه يكبِّر إِثْر كلِّ صلاةٍ ثلاثَ تكْبيراتٍ . ومن خواصِّ التكبير وبركتِهِ ما رواه ابن السُّنِّيِّ ، بسنده ، عن عمرو بن شُعَيْب ، عن أبيه ، عن جَدِّه ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا رَأَيْتُمُ الحَرِيقَ ، فَكَبِّرُوا ؛ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفِئُهُ " انتهى من « حلية النوويِّ » . وقوله تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ … } الآية : قال ابنُ عبَّاس وغيره : المعنى : من نَفَر اليوم الثَّاني من الأيام المعدوداتِ ، فلا حرج عليه ، ومن تأخَّر إِلى الثالث ، فلا إِثم عليه ، كلُّ ذلك مباحٌ ؛ إِذ كان من العربِ مَنْ يذمُّ المتعجِّل وبالعكْس ، فنزلَتِ الآية رافعةً للجُنَاحِ قُلْتُ : وأهل مكة في التعجيلِ كغيرهم على الأصحِّ . ثم أمر سبحانه بالتقْوَىٰ ، وذكَّر بالحَشْر ، والوقوفِ بين يَدَيْهِ . وقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا … } الآية . قال السُّدِّيُّ : نزلَتْ في الأخْنَسِ بْنِ شريقٍ : أظهر الإِسلام ، ثم هَرَب ، فمرَّ بقومٍ من المسلمين ، فأحرق لهم زرعاً ، وقتل حُمُراً . قال : * ع * : ما ثبت قطُّ أن الأخنس أسلم ، قُلْتُ : وفي ما قاله : * ع * : نَظَرٌ ، ولا يلزم من عدم ثبوتِهِ عِنْده ألاَّ يثبت عنْد غيره ، وقد ذكر أحمدُ بن نصرٍ الدَّاووديُّ في تفسيره ؛ أنَّ هذه الآية نزلَتْ في الأخْنَس بْنِ شريق . انتهى ، وسيأتي للطبريِّ نحوه . وقال قتادةُ ، وجماعة : نزلَتْ هذه الآيةُ في كل مُبْطِن كُفْرٍ ، أو نفاقٍ ، أو كذبٍ ، أو ضرارٍ ، وهو يظهر بلسانه خلافَ ذلك ، فهي عامَّة ، ومعنى : { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ } ، أي : يقول : اللَّه يعلم أنِّي أقول حقًّا ، والأَلَدُّ : الشديدُ الخصومةِ الذي يَلْوِي الحجج في كل جانبٍ ، فيشبه انحرافُه المَشْيَ في لَدِيديِ الوَادِي . وعنه صلى الله عليه وسلم : " أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصْمُ " . و { تَوَلَّىٰ } و { سَعَىٰ } : يحتمل معنيين : أحدهما : أن يكونا فِعْلَ قَلْبٍ ، فيجيء « تَوَلَّىٰ » بمعنى : ضَلَّ وغَضِبَ وأنف في نَفْسه ، فسعَىٰ بِحِيَلِهِ وإِدارته الدوائر علَى الإِسلام ؛ نحا هذا المنحَىٰ في معنى الآية ابْنُ جُرَيْج ، وغيره . والمعنى الثاني : أن يكونا فِعْلَ شخصٍ ، فيجيء « تَوَلَّى » بمعنى : أدبر ونَهَض وسَعَىٰ ، أي : بقدميه ، فقطع الطريقَ وأفسدها ، نحا هذا المنحَى ٱبْنُ عبَّاس وغيره . وقوله تعالى : { وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ } : قال الطبريُّ : المراد الأخنَسُ في إِحراقه الزرْعَ ، وقتلِهِ الحُمُرَ ؛ قال : * ع * : والظاهر أن الآية عبارةٌ عن مبالغته في الإِفساد . و { لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ } معناه : لا يحبُّه من أهل الصَّلاح ، أو لا يحبُّه دِيناً ، وإِلا فلا يقع إِلاَّ ما يحبُّ اللَّه وقوعه ، والفسادُ : واقعٌ ، وهذا علَىٰ ما ذهب إِليه المتكلِّمون من أنَّ الحُبَّ بمعنى الإِرادة . قال : * ع * : والحُبُّ له على الإِرادة مزيَّة إِيثارٍ ؛ إِذ الحبُّ من اللَّه تعالى إِنما هو لما حَسُنَ من جميع جهاته .