Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 206-210)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } الآية : هذه صفة الكَافِرِ والمنافقِ الذاهِبِ بنَفْسِهِ زَهْواً ، ويحذر المؤمن أن يوقعه الحَرَجُ في نحو هذا ، وقد قال بعْضُ العلماءِ : كفَىٰ بالمرء إِثماً أنّ يقول له أخُوهُ : ٱتَّقِ اللَّهَ ، فيقول له : عَلَيْكَ نَفْسَكَ ، مِثْلُكَ يُوصِينِي . قُلْتُ : قال أحمد بن نَصْرٍ الداووديُّ : عن ابن مسعودٍ : من أكبر الذنبِ أنْ يقال للرجُلِ : ٱتقِ اللَّه ، فيقولَ : علَيْكَ نَفْسَكَ ، أَنْتَ تَأْمُرُنِي . انتهى . و { ٱلْعِزَّةُ } هنا : المنعة ، وشدَّة النفْس ، أي : ٱعتزَّ في نفسه ، فأوقعته تلك العزةُ في الإِثم ، ويحتمل المعنَىٰ : أخذته العزَّةُ مع الإِثم . و { حَسْبُهُ } ، أي : كافيه ، و { ٱلْمِهَادُ } : ما مهد الرجلُ لنفسه ؛ كأنه الفراشُ . وقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ … } الآية : تتناول كلَّ مجاهدٍ في سبيل اللَّهِ ، أو مستشهدٍ في ذاته ، أو مغيِّر منْكَرٍ ، وقيل : هذه الآية في شهداء غزوة الرَّجِيعِ عاصمِ بْنِ ثَابِتٍ ، وخُبَيْب ، وأصحابِهِمَا ، وقال عكرمةُ وغيره : هي في طائفةٍ من المهاجرينَ ، وذكروا حديثَ صُهَيْبٍ . و { يَشْرِي } : معناه يبيعُ ؛ ومنه { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [ يوسف : 20 ] ، وحكَىٰ قوم ؛ أنه يقالُ : شَرَىٰ ؛ بمعنى ٱشْتَرَىٰ ، ويحتاجُ إِلى هذا من تأوَّل الآية في صُهَيْبٍ ؛ لأنه ٱشترَىٰ نفْسَه بمالِهِ . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } ترجيةٌ تقتضي الحضَّ على امتثال ما وقع به المدْحُ في الآية ؛ كما أن قوله سبحانه : { فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } تخويفٌ يقتضي التحذيرَ ممَّا وقع به الذمُّ في الآية ، ثم أمر تعالَىٰ المؤمنين بالدخولِ في السِّلْم ، وهو الإِسلام ، والمُسَالمة ، وقال ابن عبَّاس : نزلَتْ في أهل الكتابِ ، والألف واللام في الشيطانِ للجنْسِ . و { عَدُوٌّ } : يقع للواحدِ ، والاثنينِ ، والجمعِ ، وقوله تعالَىٰ : { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ … } الآية : أصل الزلل في القدم ، ثم يستعمل في الاِعتقاداتِ ، والآراءِ ، وغَيْرِ ذلك ، والمعنَىٰ : ضللتم ، و { ٱلْبَيِّنَـٰتُ } محمَّد صلى الله عليه وسلم وآياته ، ومعجزاته ، إِذا كان الخطابُ أوَّلاً لجماعةِ المؤمنين ، وإِذا كان الخطابُ لأهل الكتاب ، فالبيناتُ ما ورد في شرائعهم من الإِعلام بمحمَّد صلى الله عليه وسلم ، والتعريفِ به . و { عَزِيزٌ } : صفة مقتضيةٌ أنَّه قادرٌ عليكم لا تعجزونَهُ ، ولا تمتنعون منه ، و { حَكِيمٌ } ، أي : مُحْكِمٌ فيما يعاقبكم به لِزَلَلِكُمْ . وقوله تعالى : { هَلْ يَنظُرُونَ } ، أيْ : ينتظرون ، والمراد هؤلاء الذين يزلُّون ، والظُّلَلُ : جمع ظُلَّة ، وهي ما أظَلَّ من فوق ، والمعنَىٰ : يأتيهم حكم اللَّه ، وأمره ، ونهيه ، وعقابه إِياهم . وذهب ابن جُرَيْج وغيره ؛ إِلى أن هذا التوعُّد هو مما يقع في الدنيا ، وقال قومٌ : بل هو توعُّد بيوم القيامة ، وقال قوم : إِلا أن يأتيهم اللَّه وعيد بيومِ القيامةِ . وأما { ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } ، فالوعيد بإِتيانهم عنْدَ المَوْت ؛ والغمامُ : أرقُّ السحابِ ، وأصفاه وأحسنه ، وهو الذي ظُلِّلَ به بنو إِسرائيل . وقال النَّقَّاش : هو ضَبَابٌ أبيض ، وقُضِيَ الأمرُ : معناه وقع الجزاء ، وعُذِّبَ أهل العصيان ، وقرأ معاذ بن جَبَلٍ : « وقضاء الأمر » . وإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ : هي راجعةٌ إِليه سبحانه قَبْل وبَعْد ، وإِنما نبه بذكْر ذلك في يَوْم القيامة علَىٰ زوالِ ما كان منْها إِلى الملوك في الدنيا .