Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 21-24)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالَىٰ : { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ … } الآيَةَ : « يَا » : حرفُ نداءٍ ، وفيه تنبيهٌ ، و « أَيُّ » هو المنادَىٰ ، قال مجاهد : { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } حيث وقع في القرآن مَكِّيٌّ ، و { يـَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } مدنيٌّ . قال : * ع * : قد تقدَّم في أول السورة ؛ أنها كلها مدنية ، وقد يجـيء في المَدَنِيِّ : { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } . وأما قوله في : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } فصحيح . { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } : معناه : وحِّدوه ، وخصوه بالعبادة ، وذكر تعالى خلقه لهم ؛ إِذ كانت العرب مقرة بأن اللَّه خلقها ، فذكر ذلك سبحانه حجةً عليهم ، ولعل في هذه الآية قال فيها كثيرٌ من المفسِّرين : هي بمعنى إيجاب التقوَىٰ ، وليست من اللَّه تعالَىٰ بمعنى ترجٍّ وتوقُّع ، وفي « مختصر الطَّبَرِيِّ » : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } عن مجاهد ، أي : لعلَّكم تطيعون ، والتقوَى التوقِّي من عذاب اللَّه بعبادته ، وهي من الوقاية ، وأما « لَعَلَّ » هنا ، فهي بمعنى « كَيْ » أو « لامِ كَيْ » ، أي : لتتقوا ، أوْ لكَيْ تتقوا ، وليست هنا من اللَّه تعالَىٰ بمعنى الترجِّي ، وإنما هي بمعنى كَيْ ، وقد تجـيء بمعنى « كَيْ » في اللغة ؛ قال الشاعر : ( الطويل ) @ وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ @@ انتهى . قال : * ع * : وقال سيبويه : ورؤساءُ اللِّسَان : هي على بابها ، والترجِّي والتوقُّع إنما هو في حيز البشر ، أي : إذا تأملتم حالكم مع عبادة ربكم ، رجَوْتُمْ لأنفسكم التقوَىٰ ، و « لَعَلَّ » : متعلِّقة بقوله : « ٱعْبُدُوا » ، ويتجه تعلُّقها بـ « خَلَقَكُمْ » أي : لَمَّا وُلِدَ كلُّ مولود على الفطرة ، فهو إِن تأمله متأمِّل ، توقَّع له ورجا أن يكون متقياً ، و « تَتَّقُونَ » : مأخوذ من الوقاية ، وجعل بمعنى « صَيَّرَ » في هذه الآية ؛ لتعدِّيها إِلى مفعولين ، و « فِرَاشاً » معناه : تفترشونها ، و « السَّمَاء » قيل : هو اسم مفرد ، جمعه سماوات ، وقيل : هو جمعٌ ، واحده سَمَاوَة ، وكلُّ ما ارتفع عليك في الهواء ، فهو سماء ، { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ } يريد السحاب ، سمي بذلك تجوُّزاً ؛ لَمَّا كان يلي السماء ، وقد سَمَّوُا المطر سماءً للمجاورة ؛ ومنه قول الشاعر : [ الوافر ] @ إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا @@ فتجوز أيضاً في « رَعَيْنَاهُ » . وواحد الأنداد نِدٌّ ، وهو المقاوم والمضاهي ، واختلف المتأوِّلون من المخاطب بهذه الآية ، فقالتْ جماعة من المفسِّرين : المخاطَبُ جميع المشركين ، فقوله سبحانه على هذا : { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } يريد العلم الخاصَّ في أنه تعالَىٰ خلق ، وأنزل الماء ، وأخرج الرزق ، وقيل : المراد كفَّار بني إسرائيل ، فالمعنى : وأنتم تعلَمُون من الكتب التي عندكم أنَّ اللَّه لا ندَّ له ، وقال ابنْ فُورَكَ : يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين . قوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } ، أي : في شكٍّ ، { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ } : الضمير في « مِثْلِهِ » عند الجمهور : عائد على القرآن ، { وَٱدْعُواْ شُهَدَاءَكُم } ، أي : مَنْ شهدكم وحضركم من عون ونصير ؛ قاله ابنُ عَبَّاس : { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، أي : فيما قلتم من أنَّكم تقدرون على معارضته . ويؤيِّد هذا القول ما حكي عنهم في آية أخرى : { لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } [ الأنفال : 31 ] ، وفي قوله جل وعلا : { وَلَنْ تَفْعَلُواْ } إِثَارةٌ لِهِمَمِهِمْ ، وتحريكٌ لنفوسهم ؛ ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع ، وهو أيضاً من الغيوب التي أخبر بها القرآن . وقوله تعالَىٰ : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } : أمر بالإيمانِ وطاعةِ اللَّه ، قال الفَخْر ولما ظهر عجزهم عن المعارضة ، صح عندهم صدق النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإِذا صح ذلك ، ثم لزموا العناد ، استوجبوا العقاب بالنار ، واتقاءُ النار يوجب ترك العناد ؛ فأقيم قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } مُقَامَ قوله : « وَٱتْرُكُوا العِنَادَ » ، ووصف النار بأنها تتقد بالناس والحجارة ؛ وذلك يدلُّ على قوتها ، نجَّانا اللَّه منها برحمته الواسعة . وقرَنَ اللَّه سبحانه النَّاسَ بالحجارة ؛ لأنهم اتخذوها في الدنيا أصناماً يعبدونها ؛ قال تعالَىٰ : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] فإحدى الآيتين مفسِّرة للأخرى ، وهذا كتعذيب مانعي الزكاة بنوعِ ما منعوا ، انتهى .