Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 243-245)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ … } الآية : هذه رؤية القَلْب ؛ بمعنى : ألم تَعْلَمْ ، وقصَّة هؤلاء فيما قال الضَّحَّاك ؛ أنهم قوم من بني إِسرائيل أُمِرُوا بالجهَادِ ، فخافوا الموْتَ بالقَتْل في الجهادِ ، فخرجوا من ديارهم فِرَاراً من ذلك ، فأماتهم اللَّه ؛ ليعرِّفهم أنه لا يُنْجِيهِمْ من الموت شيْء ، ثم أحياهم ، وأمرهم بالجهادِ ، بقوله : { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } الآية . وروى ابن جريج عن ابن عبَّاس ؛ أنهم كانوا من بني إِسرائيل ، وأنهم كانوا أربعينَ ألفاً ، وثمانيةَ آلاف ، وأنهم أُميتوا ، ثم أُحْيُوا ، وبقيتِ الرائحَةُ علَىٰ ذلك السِّبْط من بني إِسرائيل إِلى اليَوْم ، فأمرهم اللَّه بالجهَادِ ثانيةً ، فذلك قوله : { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } . قال : * ع * : وهذا القَصَصُ كلُّه ليِّن الإِسناد ، وإِنما اللازم من الآية أنَّ اللَّه تعالَىٰ أخبر نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم إِخباراً في عبارة التنْبيه ، والتوقيفِ عنْ قَوْم من البَشَر خَرَجوا من ديارهم فراراً من المَوْت ، فأماتهم اللَّه ، ثم أحياهم ؛ ليعلموا هم وكلُّ من خَلَفَ بعدهم ؛ أن الإِماتة إِنما هي بإِذْنِ اللَّه لا بيَدِ غَيْره ، فلا معنَىٰ لخوفِ خائفٍ ، وجعل اللَّه تعالَىٰ هذه الآية مقدِّمة بين يدَيْ أمره المؤمنين من أُمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم بالجهادِ ، هذا قول الطَّبري ، وهو ظاهرُ رَصْف الآية . والجمهورُ علَىٰ أنَّ { أُلُوفٌ } جمعُ أَلْفٍ ، وهو جمعُ كَثرة ، وقال ابن زَيْد في لفظة { أُلُوفٌ } : إِنما معناها ، وهم مؤتلفُونَ . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ … } الآية : تنبيهٌ علَىٰ فضله سبحانه على هؤلاء القَوْم الذين تفضَّل عليهم بالنعم ، وأمرهم بالجهاد ، وألاَّ يجعلوا الحَوْل والقُوَّة إِلا له سبحانه ؛ حَسْبما أمر جميع العالم بذلك ، فلم يشكروا نعمته في جميعِ هذا ، بل استبدُّوا وظَنُّوا أنَّ حولَهُمْ وسعْيَهم ينجِّيهم ، وهذه الآيةُ تَحْذيرٌ لسائر النَّاسِ مِنْ مثل هذا الفعْلِ ، أي : فيجب أنْ يشكر النَّاسُ فضْلَه سبحانه ؛ في إِيجاده لهم ، ورزْقِهِ إِياهم ، وهدايتِهِ بالأوامر والنواهِي ، فيكون منهم المبادرة إلى ٱمتثالها ، لا طَلَبُ الخُرُوج عنْها ، وفي تَخْصِيصه تعالَىٰ : « الأَكْثَر » دلالةٌ على أنَّ الأقلَّ الشَّاكِر . وقوله تعالَىٰ : { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } الآية : الجمهورُ أن هذه الآية مخاطبة لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم بالقتالِ في سبيلِ اللَّهِ ، وهو الذي يُنْوَىٰ به أن تكون كلمةُ اللَّه هي العليا ؛ حَسَب الحديث . وقال ابن عَبَّاس ، والضَّحَّاك : الأمْرُ بالقتال هو لِلَّذينَ أُحْيُوا من بني إسرائيل ، قال الطبريُّ : ولا وجه لهذا القَوْل ، ثم قال تعالَىٰ : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ … } الآية : فدخل في ذلك المقاتلُ في سبيل اللَّه ، فإِنه يقرض ؛ رَجَاء ثوابِ اللَّهِ ؛ كما فعل عثمانُ في جَيْش العُسْرة ، ويُرْوَىٰ أنَّ هذه الآية ، لَمَّا نزلَتْ ، " قال أبو الدَّحْدَاحِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوَ إِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ مِنَّا القَرْضَ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ » ، قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُهُ حَائِطِي لِحَائِطٍ فِيهِ سِتُّمِائَةِ نَخْلَةٍ ، ثُمَّ جَاءَ الحَائِطَ ، وَفِيهِ أُمُّ الدَّحْدَاحِ ، فَقَالَ : ٱخْرُجِي ، فَإِنِّي قَدّ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي هَذَا ، قَالَ : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُذَلَّلٍ لأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الجَنَّةِ » " . واستدعاء القَرْض ؛ في هذه الآية وغيرها ؛ إنما هو تأنيسٌ وتقريبٌ للأفهام ، واللَّه هو الغنيُّ الحميدُ . قال ابنُ العربيِّ في « أحكامه » وكَنَى اللَّه عزَّ وجلَّ عن الفقيرِ بنَفْسه العليَّة ترغيباً في الصَّدَقة ؛ كما كَنَىٰ عن المريضِ ، والجائِعِ ، والعاطشِ بنفسه المقدَّسة ؛ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ ، مَرِضْتُ ، فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَعُودُكَ ، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ ، فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدتَّهُ ، لَوَجَدتَّنِي عِنْدَهُ ، يَا ابْنَ آدَمَ ، ٱسْتَطْعَمْتُكَ ، فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أُطْعِمُكَ ، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ ؟ ! قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ ٱسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ ، لَوَجَدتَّ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، ٱسْتَسْقَيْتُكَ ، فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَسْقِيكَ ، وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ ؟ ! قَالَ : ٱسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ ، فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَه ، وَجَدتَّ ذَلِكَ عِنْدِي " انتهى ، واللفظ لصحيح مسلم ، قال ابنُ العَرَبِيِّ : وهذا كلُّه خرَجَ مَخْرَجَ التشريفِ لمَنْ كُنِيَ عنه ، وترغيباً لمن خوطِبَ انتهى . وقوله : { حَسَنًا } : معناه : تَطِيبُ فيه النية ، ويشبه أيضاً أنْ تكون إِشارة إِلى كثرته وجَوْدته . وهذه الأضعاف الكثيرةُ إِلى السَّبْعِمِائَةِ التي رُوِيَتْ ، ويعطيها مثالُ السُّنْبُلة . * ت * : والحقُّ الذي لا شَكَّ فيه وجوبُ الإِيمان بما ذكر المولَىٰ سبحانه ، ولا سبيل إِلى التحديد ؛ إِلاَّ أنْ يثبتَ في ذلك حديثٌ صحيحٌ ، فيصار إِليه ، وقد بيَّن ذلك صلى الله عليه وسلم فيما خرَّجه مُسْلِم ، والبُخاريُّ ، ٱنظره عند قوله تعالى : { كَمَثَلِ حَبَّةٍ } [ البقرة : 261 ] قال : * ع * : " رُوِيَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُسَعِّر بِسَبَبِ غَلاَءٍ خِيفَ عَلَى المَدِينَةِ ، فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ هُوَ البَاسِطُ القَابِضُ ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ ، وَلاَ يَتْبَعْنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ فِي نَفْسٍ ؛ وَلاَ مَالٍ » " ، قال صاحب « سِلاحِ المؤمن » عند شَرْحه لاسمه تعالَى « القَابِضِ البَاسِطِ » : قال بعْضُ العلماءِ : يجبُ أن يُقْرَنَ بيْنَ هذَيْن الٱسمين ، ولا يفصل بينهما ؛ ليكون أنبأَ عن القُدْرة ، وأدلَّ على الحكمة ؛ كقوله تعالى : { يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } ، وإِذا قلْتَ : « القَابِض » مفرداً ، فكأنَّك قَصَرْتَ بالصفة على المنع والحرْمان ، وإِذا جمعْتَ أَثْبَتَّ الصفتين ؛ وكذلك القولُ في الخافضِ والرافعِ والمُعِزِّ والمُذِلِّ . انتهى ، وما ذكره عن بعض العلماءِ ، هو كلامُ الإِمام الفَخْر في شرحه لأسماء اللَّه الحسنَىٰ ، ولفظه : القابضُ والباسطُ : الأحسنُ في هذين الاِسمَيْن أنْ يقْرَنَ أحدهما في الذِّكْر بالآخر ؛ ليكون ذلك أدلَّ على القدرة والحكمةِ ؛ ولهذا السببِ قال اللَّه تعالى : { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } وإذا ذكرت « القابضَ » منْفرداً عن « البَاسِطِ » ، كنْتَ قد وصفته بالمَنْع والحرمانِ ، وذلك غير جائز ، وقوله : « المُعِزُّ المُذِلّ » ، وقد عرفْتَ أنه يجبُ في أَمثالِ هذَيْن ذكْرُ كل واحد منهما مع الآخر . انتهى .