Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 246-248)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَٰءِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ … } الآية : هذه الآية خَبَرٌ عن قوم من بني إِسرائيل نالتهم ذِلَّةٌ وغَلَبة عَدُوٍّ ؛ فطلبوا الإِذن في الجِهَاد ، وأن يؤمروا به ، فلَمَّا أُمِرُوا ، ركَعَّ أكثرهم ، وصبر الأقلُّ ، فنصرهم اللَّه ، وفي هذا كلِّه مثالٌ للمؤمنين ؛ ليحذروا المَكْرُوه منْه ، ويقتدوا بالحَسَن . و { ٱلْمَلأَ } : في هذه الآية جميعُ القَوْم ؛ لأن المعنَىٰ يقتضيه ، وهو أصل اللفظة ، ويسمى الأشرافُ « المَلأَ » ؛ تشبيهاً ، و { مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } : معناه : مِنْ بعد موته ، وٱنقضاءِ مدَّته . وقوله تعالى : { لِنَبِيٍّ لَّهُمُ } ، قال ابن إِسحاق وغيره : هو شمويلُ بْن بَابِل . وقال السدِّيُّ : هو شَمْعُونُ ، وكانت بنو إِسرائيل تغلِبُ من حارَبَها ، وروي أنها كانت تَضَعُ التابوتَ الذي فيه السكينةِ والبقيَّة في مَأْزِقِ الحرب ، فلا تزال تَغْلِبُ ؛ حتى عصَتْ ، وظهرتْ فيهم الأحداث ، وخالف ملوكهم الأنبياء ، واتَّبعوا الشَّهوات ، وقد كان اللَّه تعالَىٰ أقام أمورهم ؛ بأنْ يكون أنبياؤهم يسدِّدون ملوكهم ، فلما فعلوا ما ذكرناه ، سلَّط اللَّه عليهم أُمماً من الكَفَرة ، فغلَبُوهم ، وأُخِذَ لهم التابوتُ في بعض الحُرُوب ، فذلّ أمرهم . وقال السُّدِّيُّ : كان الغالبُ لهم « جَالُوتَ » ، وهو من العمالقة ، فلما رأوا أنه الاِصطلامُ ، وذَهَابُ الذِّكْرِ ، أَنِفَ بعضُهمْ وتكلَّموا في أمرهم ؛ حتى ٱجتمع ملأهم علَىٰ أنْ قالوا لنبيِّ الوَقْتِ : { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكًا … } الآية ، وإِنما طلبوا مَلِكاً يقوم بأمر القتَال ، وكانت المَمْلَكَة في سِبْطٍ من أسباط بني إِسرائيل يقال لهم : بَنُو يَهُوذا ، فعلم النبيُّ بالوحْي ، أنه ليس في بيْتِ المَمْلَكَة من يقوم بأمر الحَرْب ، ويسَّر اللَّه لذلك طَالُوت ، وقرأ جمهور النَّاسِ : « نُقَاتِلْ » ؛ بالنون وجزم اللام ؛ على جواب الأمر ، وأراد النبيُّ المذكور - عليه السلام - أن يتوثَّق منهم ، فوقفهم علَىٰ جهة التَّقْرِيرِ ، وسَبْرِ ما عنْدَهم بقوله : { هَلْ عَسَيْتُمْ } ، ومعنى هذه المقالةِ ، هل أنتم قريبٌ من التولِّي والفرار ، إِن كُتِبَ عليكم القِتَالُ . * ص * : { لِنَبِيٍّ } متعلِّق بـــ { قَالُواْ } ، واللامُ معناها : التبليغُ . انتهى . ثم أخبر تعالى أنه لما فرض عليهم القتالَ ، تولَّوْا ، أي : ٱضطربَتْ نياتهم ، وفَتَرت عزائمهم ، إلا قليلاً منهم ، وهذا شأن الأمم المتنعِّمة المائلَة إِلى الدَّعَة تتمنَّى الحرب أوقاتِ السَّعَة ، فإِذا حَضَرت الحَرْب ، كَعَّتْ ، وعن هذا المعنَىٰ نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ؛ بِقَوْلِهِ : " لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدْوِّ ، وَٱسْأَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ ، فَٱثْبُتُوا " . ثم توعَّد سبحانه الظالمينَ في لَفْظ الخبر ؛ بقوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } . وقوله تعالى : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا … } الآية : قال وهْبُ بن مُنَبِّهٍ : وكان طالوتُ رجلاً دبَّاغاً ، وقال السُّدِّيُّ : سَقَّاءً ، وكان من سِبْط « بِنْيَامِينَ » ، وكان سبطاً لا نبوَّةَ فيه ، ولا ملكَ ، ثم إِن بني إِسرائيل تعنَّتوا ، وحادُوا عن أمر اللَّه ، وجَرَوْا على سَنَنِهِمْ ، فقالوا : { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ } ، أي : لم يؤت مالاً واسعاً ، يجمع به نفوسَ الرجالِ ، ويَغْلِبُ به أهْل الأَنَفَةِ . قال : * ع * : وترك القَوْمُ السَّببَ الأقوَىٰ ، وهو قَدَرُ اللَّه وقضاؤُه السَّابقُ ، وأنه مالكُ الملكِ ؛ فٱحتجَّ عليهم نبيُّهم بالحُجَّة القاطعة ، وبيَّن لهم مع ذلك تعليلَ ٱصطفاءِ طالوتَ ببَسْطَته في العِلْمِ ، وهو مِلاَكُ الإِنسان ، والجِسْمِ الذي هو مُعِينُهُ في الحرب ، وعُدَّتُهُ عند اللقاء ، و « ٱصْطَفَىٰ » : مأخوذٌ من الصَّفْوة ، والجمهورُ علَىٰ أنَّ العلْم في هذه الآية يرادُ به العمومُ في المعارف ، وقيل : المرادُ عِلْمُ الحرب ، وأما جِسْمُهُ ، فقال وهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ : إِن أطْولَ رجُلٍ في بني إِسرائيل كان يَبْلُغ مَنْكِبَ طالوت . * ت * : قال أبو عُبَيْد الهَرَوِيُّ : قوله : { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ } ، أي : ٱنبساطاً وتوسُّعاً في العلْم ، وطولاً وتماماً في الجسم . انتهى من شرحه لِغَرِيبَيِ القُرآن وأحاديثِ النبيِّ عليه السلام . ولما علم نبيُّهم - عليه السلام - تعنُّتهم وجدالَهم ، تمَّم كلامه بالقَطْع الذي لا ٱعتراض عليه ، وهو قوله : { وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ } ، وظاهر اللفظ أنه من قول نبيِّهم - عليه السلام - ، وذهب بعض المتأوِّلين إِلى أنَّه من قول اللَّه تعالَىٰ لمحمَّد صلى الله عليه وسلم ، والأول أظهر ، و { وَٰسِعٌ } : معناه : وسعَتْ قدرته ، وعلمه كلَّ شيْء ، وأما قولُ النبيِّ لهم : { إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ } ، فإِن الطبريَّ ذهب إِلى أن بني إِسرائيل تعنَّتوا ، وقالوا لنبيِّهم : وما آية مُلْكِ طالُوتَ ؟ وذلك على جهة سؤالِ الدَّلالة على صِدْقه في قوله : إِنَّ اللَّه بَعَثَهُ قال : * ع * : ويحتمل أنَّ نبيَّهم قال لهم ذلك على جهة التغليظِ والتنبيه علَىٰ هذه النعمة الَّتي قرَنَها بمُلْكِ طَالُوت ، دون تكْذيب منْهم لنبيِّهم ، وهذا عندي أظهر من لفظ الآية ، وتأويلُ الطبريِّ أشبهُ بأخلاقِ بني إِسرائيل الذميمةِ ؛ فإِنَّهم أهل تكذيبٍ وتعنُّتٍ وٱعوجاجٍ . وقد حكى الطبريُّ معناه عن ابْنِ عَبَّاس وغيره . واختلف في كيفيَّة إِتيان التابُوتِ ، فقال وهب : لما صار التابوتُ عند القومِ الذين غَلَبُوا بني إِسْرَائيل ، وضَعُوه في كنيسة لهم فيها أصنامٌ ، فكانت الأصنام تُصْبِحُ منكَّسة ، فجعلوه في قرية قَوْمٍ ، فأصاب أولئك القَوْم أوجاعٌ ، فقالُوا : ما هذا إِلاَّ لهذا التابوتِ ، فلنردَّه إِلى بني إِسرائيل ، فأخذوا عَجَلَةً ، فجعلوا التابُوتَ علَيْها ، وربَطُوها ببقرتَيْن ، فأرسلوهما في الأرضِ نَحْو بلادِ بَني إسرائيل ، فبعث اللَّه ملائكَةً تَسُوقُ البقرتَيْنِ ؛ حتى دخَلَتَا به علَىٰ بني إِسرائيل ، وهم في أمر طَالُوتَ ، فأيقنوا بالنَّصْر . وقال قتادةُ ، والربيعُ : كان هذا التابوتُ مما تركه موسَىٰ عنْد يُوشَعَ ، فجعله يُوشَعُ في البريَّة ، ومَرَّتْ علَيْه الدُّهُور ؛ حتَّىٰ جاء وقْتُ طَالُوت ، فحملَتْه الملائكةُ في الهَوَاء ؛ حتى وضعْته بينهم ، فٱستوثَقَتْ بنو إِسرائيل عند ذلك علَىٰ طالوت ، وقيل غير هذا ، واللَّه أعلم . وقوله تعالى : { فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ … } الآية : قال ابن عَبَّاس : السكينةُ طَسْتٌ من ذهَبٍ من الجَنَّة ، وقال مجاهدٌ : السكينة لها رأس كرأس الهِرَّة ، وجنَاحَان ، وذَنَب . وقال عطاءٌ : السكينة ما يعرفونَ من الآياتِ ، فيسكنون إِليها ، وقال قتادة : { سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي : وقار لكم من ربِّكم . قال : * ع * : والصحيحُ أن التابوت كانَتْ فيه أشياء فاضلةٌ من بقايا الأنبياء وآثارهم ، تَسْكُن إِلى ذلك النُّفُوس ، وتأنس به ، ثم قَرَّر تعالَىٰ ؛ أن مجيء التابوتِ آية لهم ، إِنْ كانوا ممَّن يؤمن ويُبْصر . * ت * : وهذا يؤيِّد تأويلَ الطبريِّ المتقدِّم .