Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-32)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالَىٰ : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } : « إِذْ » ليست بزائدةٍ عند الجمهور ، وإِنما هي معلَّقة بفعل مقدَّر ، تقديره : واذكر إِذ قال ، وإِضافةُ « رَبٍّ » إِلى محَّمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ومخاطبتُهُ بالكاف تشريفٌ منه سبحانه لنبيِّه ، وإِظهار لاِختصاصه به ، و « الملائكةُ » : واحدها ملَكٌ ، والهاء في « ملائكة » لتأنيث الجُموعِ غير حقيقيٍّ ، وقيل : هي للمبالغة ؛ كَعَلاَّمَةٍ وَنسَّابَةٍ ، والأول أبين . و { جَاعِلٌ } ؛ في هذه الآية بمعنى خَالِقٍ ، وقال الحسن وقتادة : جاعلٌ بمعنى فاعل ، وقال ابن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الأَرْضَ هُنَا هِيَ مَكَّةُ ؛ لأَنَّ الأَرْضَ دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا ؛ وَلأنَّهَا مَقَرُّ مَنْ هَلَكَ قَوْمُهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَّ قَبْرَ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ بَيْنَ المَقَامِ وَالرُّكْنِ " و { خَلِيفَةً } : معناه : من يخلف . قال ابن عبَّاس : كانت الجن قبل بني آدم في الأرض ، فأفسدوا ، وسَفَكُوا الدماء ، فبعث اللَّه إِليهم قبيلاً من الملائكة قتلهم ، وألْحَقَ فَلَّهُمْ بجزائرِ البحار ، ورؤوسِ الجبالِ ، وجعل آدم وذريته خليفةً ، وقال ابن مسعود : إنما معناه : خليفةٌ مني في الحُكْمِ . وقوله تعالَىٰ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } الآيةَ : قد علمنا قطعًا أن الملائكة لا تعلم الغيْبَ ، ولا تسبق القول ، وذلك عَامٌّ في جميع الملائكة ، لأن قوله تعالى : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } [ الأنبياء : 27 ] خرج على جهة المدح لهم ، قال القاضي ابن الطَّيِّب : فهذه قرينة العموم ، فلا يصح مع هذين الشرطَيْن إِلا أن يكون عندهم من إفساد الخليفة نبأٌ ومقدِّمة . قال ابن زيد وغيره : إن اللَّه تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكونُ من ذريته قومٌ يفسدونَ ، ويسفكون الدماء ؛ فقالوا لذلك هذه المقالةَ : إِما على طريق التعجُّب من ٱستخلافِ اللَّه من يعصيه ، أو من عصيان من يستخلفُهُ اللَّهُ في أرضه وينعم علَيْه بذلك ، وإِما على طريق الاِستعظامِ والإِكبار للفصلَيْن جميعاً ؛ الاستخلاف ، والعصيان . وقال أحمد بن يَحْيَـــى ثَعْلَبٌ وغيره : إنما كانت الملائكة قد رأَتْ ، وعلمت ما كان من إفساد الجِنِّ ، وسفكهم الدماء في الأرض ؛ فجاء قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا … } الآية ؛ على جهة الاستفهام المحض ، هل هذا الخليفة يا ربَّنَا على طريقة من تقدَّم من الجِنِّ أم لا ؟ وقال آخرون : كان اللَّه تعالى قد أعلم الملائكة ؛ أنه يخلق في الأرضِ خلْقاً يفسدون ، ويسفكون الدماء ، فلما قال لهم سبحانه بعد ذلك : { إِنِّي جَاعِلٌ } قالوا : رَبَّنَا { أَتَجْعَلُ فِيهَا … } الآيةَ ؛ على جهة الاسترشاد والاستعلام ، هل هذا الخليفةُ هو الذي كان أعلمهم به سبحانه قبل ، أو غيره ؟ ونحو هذا في « مختصر الطبريِّ » ، قال : وقولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا } ليس بإنكار لفعله عز وجلَّ وحكمه ، بل استخبارٌ ، هل يكون الأمر هكذا ، وقد وجَّهه بعضهم بأنهم استعظموا الإِفسادَ وسفْكَ الدماء ؛ فكأنهم سألوا عن وجه الحكمة في ذلك ؛ إِذ علموا أنه عز وجل لا يفعل إِلا حكمة . انتهى . * ت * : والعقيدة أن الملائكة معصومون ، فلا يقع منهم ما يوجب نقصانًا من رتبتهم ، وشريف منزلتهم صلوات اللَّه وسلامُهُ على جميعهم والسفك صبُّ الدَّمِ ، هذا عُرْفُه ، وقولهم : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } . قال بعض المتأوّلين : هو على جهة الاستفهام ؛ كأنهم أرادوا : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } الآيةَ ، أم نتغير عن هذه الحال ؟ قال : * ع * : وهذا يحسن مع القول بالاستفهام المحْضِ في قولهم : { أَتَجْعَلُ } . وقال آخرون : معناه : التمدُّح ووصف حالهم ، وذلك جائز لهم ؛ كما قال يوسُفُ : { إِنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [ يوسف : 55 ] ، وهذا يحسن مع التعجُّب والاستعظام ؛ لأَِنْ يستخلف اللَّه من يعصيه في قولهم : { أَتَجْعَلُ } ، وعلى هذا أدَّبهم بقوله تعالَىٰ : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، ومعنى : { نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } : ننزِّهك عما لا يليق بصفاتك ، وقال ابن عبَّاس وابن مسعود : تسبيحُ الملائكةِ صلاتهم للَّه سبحانه ، وقال قتادةُ : تسبيحهم قولهم : « سبحانَ اللَّهِ » ؛ على عرفه في اللغة ، و { بِحَمْدِكَ } : معناه نَصِلُ التسبيح بالحمدِ ، ويحتمل أن يكون قولهم : { بِحَمْدِكَ } ٱعتراضاً بين الكلامين ؛ كأنهم قالوا : ونحن نسبِّح ونقدِّس ، وأنت المحمود في الهداية إِلى ذلك ، وخرَّج مسلم في صحيحه عن أبي ذَرٍّ ؛ قال : قال لِي رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ ؟ إِنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ : « سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ وَبِحَمْدِهِ » " ، وفي رواية : " سُئِلَ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وسلَّم ، أَيُّ الكَلاَمِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : مَا ٱصْطَفَى اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " وفي صحيحَي البخاريِّ ومسلم عن أبي هُرَيْرَة ؛ قال : قال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ " وهذا الحديثُ به ختم البخاريُّ رحمه اللَّه . انتهى . { وَنُقَدِّسُ لَكَ } : قال الضَّحَّاك وغيره : معناه : نُطَهِّرُ أنفسنا لك ؛ ابتغاء مرضاتك ، والتقديسُ : التطهير بلا خلافٍ ، ومنه الأرض المقدَّسة ، أي : المطهَّرة ، وقال آخرون : { وَنُقَدِّسُ لَكَ } : معناه : نقدِّسك ، أي : نعظِّمك ونطهِّر ذكرك ممَّا لا يليقُ به ، قاله مجاهد وغيره . وقوله تعالى : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . قال ابن عبَّاس : كان إِبليس لعنه اللَّه قد أُعْجِبَ بنفسه ، ودخله الكِبْرُ لما جعله اللَّه خَازِنَ السماء الدنيا ، واعتقد أن ذلك لمزيَّة له ، فلما قالت الملائكة : ونحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك ، وهي لا تعلم أنَّ في نفْسِ إِبليسَ خلافَ ذلك ، قال اللَّه سبحانه : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يعني ما في نفس إِبْلِيسَ . وقال قتادة : لما قالتِ الملائكةُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } ، وقد علم اللَّه أنَّ في مَنْ يستخلفُ في الأرض أنبياءَ وفضلاءَ وأهلَ طاعةٍ ، قال لهم : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، يعني : أفعالَ الفضلاءِ . وقوله تعالى : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَاءَ كُلَّهَا } : معناه : عرَّف ، وتعليم آدم هنا عند قومٍ إِلهامُ علمه ضرورةً ، وقال قوم : بل تعليمٌ بقولٍ ؛ إما بواسطة مَلَكٍ ، أو بتكليمٍ قبل هبوطه الأرضَ ، فلا يشارك موسَىٰ عليه السلام في خَاصَّته . * ت * : قال الشيخ العارفُ باللَّه عبد اللَّه بن أبي جَمْرَةَ : تعليمه سبحانه لآِدم الأسماء كلَّها ، إِنما كان بالعلْم اللدنيِّ بلا واسطة . انتهى من كتابه الذي شرح فيه بعض أحاديث البخاريِّ ، وكل ما أنقله عنه ، فمنه ، واختلف المتأوِّلون في قوله : { ٱلأَسْمَاءَ } : فقال جمهور الأُمَّة : علَّمه التسميات ، وقال قومٌ : عرض عليه الأشخاص ، والأول أبين ؛ ولفظة عَلَّمَ تعطي ذلك . ثم ٱختلف الجمهورُ في أيِّ الأسماء علَّمه ، فقال ابن عبَّاسٍ ، وقتادة ، ومجاهدٌ : علَّمه اسم كلِّ شيء من جميع المخلوقات ؛ دقيقها ، وجليلها ، وقال الطبريُّ : علَّمه أسماء ذريته ، والملائكة ؛ ورجَّحه بقوله تعالَىٰ : { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } وقال أكثر العلماء : عَلَّمه تعالَىٰ منافعَ كلِّ شيء ، ولما يصلَح . وقيل غير هذا . واختلف المتأوِّلون ، هل عرض على الملائكة أشخاص الأسماء أو الأسماء دون الأشخاص ؟ . { وأَنْبِئُونِي } : معناه : أخبروني ، والنبأ : الخبر ، وقال قوم : يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليفُ ما لا يطاقُ ، ويتقرَّر جوازه ؛ لأنه سبحانه عَلِمَ أنهم لا يعلمون . وقال المحقِّقون من أهل التأويل : ليس هذا على جهة التكليفِ ، إِنما هو على جهة التقرير والتوقيف . وقوله تعالَىٰ : { هَـؤُلاَءِ } ظاهره حضورُ أشخاصٍ ، وذلك عند العرض على الملائكة ، وليس في هذه الآية ما يدلُّ أن الاسم هو المسمَّىٰ ؛ كما ذهب إِليه مَكِّيٌّ والمَهْدَوِيُّ . والذي يظهر أن اللَّه تعالى علَّم آدم الأسماء ، وعرض مع ذلك عليه الأجناس أشخاصاً ، ثم عرض تلك على الملائكة ، وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلَّمها آدم ، ثم إِن آدم قال لهم : هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا . { وهَـؤُلاَءِ } : مبنيٌّ على الكسر ، { وَكُنْتُمْ } في موضع الجزمِ بالشرْطِ ، والجواب عند سيبويه : فيما قبله ، وعند المبرِّد : محذوفٌ ؛ تقديره : إِن كنتمْ صادِقِينَ ، فَأَنْبِئوني ، وقال ابن عبَّاس وابن مسعود وناسٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم : معنى الآية : إِنْ كنتم صادِقِينَ في أنَّ الخليفةَ يُفْسِدُ ويسفك . * ت * : وفي النفس من هذا القول شيءٌ ، والملائكة منزَّهون معصومون ؛ كما تقدَّم ، والصواب ما تقدَّم من التفسير عند قوله تعالَىٰ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا … } الآية . وقال آخرون : إِن كنتم صادِقِينَ في أنِّي إِن ٱستخلفتُكُمْ ، سبَّحتم بحَمْدِي ، وقدَّستم لي . وقال قوم : معناه : إن كنتم صادقين في جوابِ السؤالِ ، عالمين بالأسماء . و { سُبْحَـٰنَكَ } : معناه تنزيهاً لك وتبرئةً أنْ يعلم أحدٌ من علمك إِلا ما علمته ، والعَلِيمُ : معناه : العَالِمُ ، ويزيد عليه معنى من المبالغةِ والتكثيرِ في المعلوماتِ ، والحكيمُ : معناه : الحاكِمُ وبينهما مزية المبالغةِ ، وقيل : معناه : المُحْكِمُ ، وقال قوم : الحَكِيمُ المانعُ من الفساد ، ومنه حَكَمَةُ الفرسِ مانعته .