Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 128-133)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { أفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ القُرُونِ } المعنى : أفلم يبين لهم . وقرأت فرقةٌ : « نَهْدِ » بالنون ، والمراد بالقرونِ المهلَكِين : عَادٌ ، وثَمُودٌ ، والطَّوائِفُ التي كانت قريشٌ تجوزُ على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره ، ثم أعلم سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن العذابَ كان يصير لهم لِزَاماً لولا كلمة « سبقَتْ من اللّه تعالى في تَأْخيره عنهم إلى أجلٍ مُسَمًّى عنده ، فتقدير الكلام . ولولاَ كلمةٌ سبقت في التَّأْخِير ، وأجلٍ مسمى ، لكَانَ العذابُ لِزَاماً ؛ كما تقولُ لَكَانَ حَتْماً ، أو واقعاً ، لكنّه قدم وأَخّر ؛ لتشابه رُؤُوس الآي . واختُلِف في الأجل المسمى : هل هو يوم القيامة ، أو موت كل واحد منهم ، أو يوم بدْرٍ ؟ وفي « صحيح البخاري » : أن يوم بَدْرٍ هو : اللزام ، وهو : البَطْشَةُ الكُبْرىٰ ، يعني : وقع في البخاري من تفسير ٱبْنِ مَسْعُودٍ ، وليس هو من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم . قال * ص * : و { لِزَاماً } : إمَّا مصدرٌ ، وإمَّا بمعنى ملزم ، وأجاز أبو البقاء : أنْ يكون جمع لاَزِم ، كَقَائِمٍ وقيام . انتهى . ثم أمر اللّه سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصّبْر على أقوالهم : إنه ساحرٌ ، إنه كاهن ، إنه كاذب إلَى غير ذلك . وقوله سبحانه : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ … } الآية ، قال أكثرُ المفسرين : هذه إشارةٌ إلى الصلوات الخمس ؛ فقبل طلوع الشمس صلاةُ الصبح ، وقبل غُرُوْبَها صَلاةُ العَصْر ، ومن آناءِ الليل العِشَاءُ ، وأطرافُ النهار المغرِبُ والظهر . قال ٱبنُ العربي : والصحيحُ أنَّ المغربَ من طَرَفِ الليل ، لاَ مِنْ طرف النَّهَارِ . انتهى من « الأحكام » . وقالت فرقةٌ : آناء الليل : المغرب والعشاء ، وأطراف النهار : الظهر وحدها ، ويحتمل اللفظ أن يراد به قول : سبحان اللّه وبحمده . وقالت فرقةٌ : في الآية : إشارةٌ إلى نوافل ، فمنها آناء الليل ، ومنها قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر . * ت * : ويتعذر على هذا التأويل قولُه : { وقَبْلَ غُرُوبِهَا } ؛ إذْ لَيْس ذلك الوقْتُ وقْتَ نفل ، على ما علم إلاَّ أنَّ يتأول ما قبل الغروب بما قبل صلاة العصر وفيه بعد . قال * ص * : { بِحَمْدِ رَبِّكَ } في موضع الحال ، أي : وأنت حامدٌ . انتهى . وقرأ الجمهور : { لَعْلَّكَ تَرْضَىٰ } بِفَتْح التاء ، أي : لعلك تُثَابُ على هذه الأعمال بما ترضى به . قال ابنُ العربي في « أحكامه » : وهذه الآية تُماثِلُ قولَهُ تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 5 ] . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ ؛ فإنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَلاَّ تُغْلَبُوا عَلَىٰ صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَعْنِي : الصُّبْحَ ، وقَبْلَ غُرُوبَهِا ؛ فَٱفْعَلُوا " . وفي الحديث الصحيح أيضاً : " منْ صَلَّى البَرْدَيْنِ ، دَخَلَ الجَنَّةَ " انتهى . وقرأَ الكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « تُرْضَىٰ » أي : لعلك تُعْطى ما يرضيك ، ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم : بالاحتقار لشأن الكفرة ، والإعراض عن أموالهم ، وما في أيْديهم من الدنيا ؛ إذ ذلك مُنْحَسِرٌ عنهم صائر إلى خِزْي ، والأزواج : الأنواع ، فكأنه قال : إلَى ما متعنا به أقواماً منهم ، وأَصنافاً . وقوله : { زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } شبَّه سبحانه نِعَم هؤلاء الكفار بالزهر ، وهو ما ٱصْفَرَّ من النّوْر ، وقيل : الزهر : النورُ جملةً ؛ لأن الزهر له منظر ، ثم يضمحل عن قرب ، فكذلك مآلُ هؤلاء ، ثم أخبر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم : أن ذلك إنما هو ليختبرهم به ، ويجعله فِتْنةً لهم وأمراً يجازون عليه أسوأ الجزَاءِ ؛ لفساد تقلبهم فيه . * ص * : و { زَهْرَةً } : منصوبٌ على الذمِّ ، أو مفعولٌ ثانٍ لـ : { مَتَّعْنَا } مضمن معنى أعطينا . اهـــ . ورزق اللّه تعالى الذي أحله للمتقين من عباده ، خير وأبقى ، أيْ : رزق الدنيا خيرٌ ورزق الآخرة أبقى ، وبين أنه خير من رزق الدنيا ، ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ، ويمتثلها معهم ويَصْطَبِر عليها ويلازمها ، وتكفَّل هو تعالى برزْقِهِ لا إلٰهَ إلاَّ هو ، وأخبره أن العَاقِبَةَ للمتقِينَ بنصره في الدنيا ، ورحمته في الآخرة ، وهذا الخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل في عُمُوْمِهِ : جميعُ أمته . ورُوِيَ : أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي اللّه عنه كان إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم ، بادر إلَى منزله ، فدخله وهو يقول : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ … } الآية إلى قوله { وأَبْقَىٰ } ثم يُنَادِي : الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ رَحِمَكُمُ اللّهُ ، ويصلي . وكان عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ رضي اللّه عنه يوقِظُ أَهْلَ دَارِهِ لِصَلاَةِ اللَّيْلِ ويصلِّي هو ويتمثَّلُ بالآية . قال الداوودي : وعن عَبْدِ اللّهُ بْنِ سَلاَمٍ ، قال : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضِيقٌ أوْ شِدَّةٌ أمرهم بالصَّلاَةِ ، ثم قرأَ : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ } إلى قوله { لِلتَّقْوَىٰ } . انتهى . قال ٱبن عطاء اللَّه في « التنوير » وٱعلم . أنَّ هذه الآية علمت أهل الفَهْم عن اللَّه تعالى كَيْفَ يطلبون رزقَهُم ، فإذَا توقفت عليهم أسباب المعيشة ، أكثروا من الخِدْمة والموافقة ، وقَرَعُوا بابَ الرِّزْقِ بمعاملة الرزَّاق - جل وعلا - ثم قال : وسمعتُ شَيْخَنَا أَبَا العَبَّاس المُرْسِي رضي اللَّه عنه يقول : واللَّه مَا رَأَيْتَ العزَّ إلاَّ في رفع الهِمّة عن الخلق ، وٱذْكُرْ رحمك اللَّه هنا : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] . ففي العز الذي أَعزّ اللَّه به المؤمن رفْعُ همته إلى مولاه ، وثقتُه به دُونَ مَنْ سِوَاهُ ، واستحي من اللَّه بعد أن كساك حُلّة الإيمان ، وزينك بزينة العِرْفان ؛ أن تستولي عليك الغفلة والنسيان ؛ حتى تميل إلى الأكوان ، أو تطلب من غيره تعالى وجود إحسان ، ثم قال : ورفع الهِمَّة عن الخلْقِ : هو ميزانُ ذوي الكمال ومِسْبار الرجال ، كما توزن الذَّواتُ كذلك توزن الأحوالُ والصِّفَاتُ . انتهى . ومن كتاب « صفوة التصوف » لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ حَدِيثٌ بسنده عن ٱبنِ عُمَرَ قال : أتَىَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَدَّثْنِي حَدِيثاً ، وٱجْعَلْهُ مُوجَزاً ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " صَلَّ صَلاَةَ مُوَدِّع ، كَأَنَكَ تَرَاهُ ، فَإنْ كُنْتَ لاَ تَرَاهُ ، فَإنَّهُ يُرَاكَ ، وَايَأَس مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، تَعْشِ غَنِيّاً ، وإِيَّاكَ وَمَا يُعَتَذَّرُ مِنْهُ " ورواه أبو أيوب الأنصاري بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى . { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا } محمدٌ { بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ } أي : بعلامة مما ٱقترحناها عليه ، ثم وبخهم سبحانه بقوله : { أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } أَيْ : ما في التوراة ، وغيرها ، ففيها أعظم شاهد ، وأكبر ، آية له سبحانه .