Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 15-36)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقولُه تعالى : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ } : يريدُ : القيامةَ آتيةٌ ، فيه تحذيرٌ وَوَعِيدٌ . وقرأ ابنُ كَثِير ، وعاصِمٌ : « أَكَاد أَخفيها » - بفتح الهمزة - بمعنى : أظْهرها ، أيْ : إنها من تيقُّن وقُوعِهَا تَكاد تَظْهَرُ ، لكن تَنْحَجِبُ إلى الأَجل المعلومِ ، والعربُ تقولُ : خَفَيْتُ الشَّيْءَ بمعنى : أَظْهَرْتُهُ . وقرأ الجمْهورُ : « أُخْفِيهَا » - بضم الهمزة - فقيل : معناه : أظهرها ، وزعموا : أَنَّ « أَخْفَيْتُ » من الأَضْدَادِ . وقالت فرقةٌ : { أَكَادُ } بمعنى أُرِيدُ ، أيْ : أرِيدُ إخْفَاءَها عنكم ؛ لتجزى كل نفس بما تسعى ، واسْتَشْهَدُوا بقول الشاعر : [ الكامل ] @ كَادَتْ وَكِدْتَ وَتِلْكَ خَيْرُ إرَادَةٍ … @@ وقالت فرقةٌ : أَكاد : على بَابها بمعنى : بأَنها مقاربة ما لم يَقَعْ لكن الكلام جَارٍ على ٱستعارةِ العَرَبِ ، ومَجَازِهَا ، فلما كانت الآيةُ عبارةٌ عن شِدَّةِ خَفَاءِ أَمْرِ القيامة ووقْتِها ، وكان القَطْعُ بإتْيَانِها مع جَهْلِ الوَقْتِ أَهْيَبُ على النفوسِ ؛ بالغ ـــ سُبْحَانَه ـــ في إبْهَامِ وقْتِها ، فقال : { أَكَادُ أُخْفِيهَا } ؛ حتَّى لاَ تظهرُ ألْبتةَ ، ولكن ذلك لا يقعُ ، ولا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا ، وهذا التَّأْوِيلُ هو الأَقْوىٰ عندي . وقوله سبحانه : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } : أيْ : عن الإيمانِ بالسَّاعَةِ ، ويحتمل عودُ الضمير على الصَّلاَةِ . وقوله : { فَتَرْدَىٰ } : معناه فتَهْلك ، والرَّدَىٰ : الهلاكُ ، وهذا الخطابُ كلَّه لموسى عليه السلام ، وكذلك ما بعده . وقال النقاشُ : الخطابُ بـــ { لاَ يَصُدَّنَّكَ } : لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا بَعِيدٌ . وقوله سبحانه : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَـٰمُوسَىٰ } تقريرٌ مضمنه التَّنْبِيهُ ، وجمعُ النفْسِ ؛ لتلقى ما يورد عليها ، وإلاَّ فقد علم سُبْحَانه مَا هِيَ في الأزَل . قال ابنُ العَرَبِيُّ في « أحكامه » : وأجابَ مُوسَى عليه السلام بقوله : { هِيَ عَصَايَ … } الآية , بأَكْثَرَ مما وقَعَ السؤالُ عنه ؛ وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : " هو الطَّهُورُ مَاؤهُ ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ " لمن سَأَلهُ عن طَهُوريَّةِ ماء البَحْر . انتهى . * ت * : والمُسْتَحْسَنُ من الجواب : أَنْ يكون مُطَابِقاً للسؤال ، أو أَعَمَّ منه ؛ كما في الآية ، والحديث ، أَمَّا كونُه أَخَصَّ منه ، فَلاَ . انتهى . { وأَهُشَّ } : معناه : أخْبِطُ بِها الشَّجَر ؛ حتَّىٰ ينتثر الوَرَقُ لِلْغَنم ، وعَصَا مُوسَى عليه السلام هي الَّتي كان أَخَذَها من بَيْتِ عِصِيِّ الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّذِي كان عند شُعَيْب عليه السلام حين اتَّفَقَا عَلَى الرَّعْيِ ، وكانت عَصَا آدم عليه السلام ، هبط بها من الجَنَّةِ ، وكانت من العير الَّذِي في وَرَقِ الرَّيْحَانِ ، وهو الجِسْم المُسْتَطيل في وسطها ، ولما أَراد اللّهُ سبحانه تَدْرِيب مُوسَىٰ في تلقي النبوءة ، وتَكَالِيفها ، أمره بإلْقَاءِ العَصَا ، فألْقَاهَا ، فإذا هي حَيَّةً تَسْعَى ، أيْ تَنْتَقِلُ ، وتَمْشِي ، وكانت عَصاً ذَاتَ شُعْبَتَيْنِ ، فصارت الشُّعْبَتَانِ فماً يلتقِمُ الحِجَارَةَ ، فلما رآها مُوسَى رَأَىٰ عِبْرةً ؛ فولَّى مُدْبِراً ولم يُعَقِّبْ ؛ فقال اللّهُ تعالى له : { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } فأَخذَها بيده ، فصارت عَصاً كما كانت أَوَّل مرةٍ ؛ وهي سِيرَتُها الأُولَى ، { وٱضْمُمْ يَدَكَ إلَىٰ جَنَاحِكَ } ، أَيْ : جَنْبِك . قال * ع * : وكُلُّ مَرْعُوبٍ من ظُلْمَةٍ ونحوها فإنه إذا ضَمَّ يده إلَى جناحه ، فَتَر رُعْبُهُ ، وربط جَأْشه ، فجمع اللّه سبحانه لموسى عليه السلام تَفتِير الرُّعْبِ مع الآيةِ في اليَدِ . ورُوِي أَنَّ يدَ مُوسَى خرجت بَيْضَاءَ تَشفّ وتُضِيء ؛ كأَنَّها شَمْسٌ من غيرِ سُوءٍ ، أَيْ : من غير بَرَصٍ ، ولا مثلة ، بل هو أمْر ينحسر ، ويَعُود بحكم الحَاجَةِ إليه ، ولما أَمَرُه اللَّه تعالى بالذَّهَابِ إلَى فِرْعَون ، علم أنها الرسالة ، وفهم قدر التَّكْلِيف ؛ فدعا اللَّهَ في المَعُونة ؛ إذْ لاَ حَوْلَ له إلاَّ به . و { ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } معناه : لفهم ما يرد عَلَيّ مِنَ الأُمور ، والعُقْدة التي دَعَا في حَلِّها هي التي ٱعترتْهُ بالجَمْرةِ في فِيهِ ، حين جَرَّبه فرعون ، وروي في ذلك : أَنَّ فِرْعون أراد قَتْلَ مُوسَى ، وهو طِفْل حينَ مَدَّ يَدَهُ عليه السلام إلَى لِحْيَةِ فرعون ، فقالت له ٱمرأَتُه : إنه لا يَعْقِلُ ، فقال : بل هو يَعْقِلُ ، وهو عَدُوِّي ، فقالت له : نجرِّبُه ، فقال لها : أَفْعَلُ ، فدَعا بجمَراتٍ من النَّارِ ، وبطبقٍ فيه يَاقُوتٌ ، فقالا : إنْ أَخذ الياقُوتَ ، علِمْنَا أنه يعقِلُ ، وإنْ أخذ النارَ ، عَذَرْنَاهُ ، فمدَّ مُوسَى يده إلى جمرة فأَخذها ، فلم تعد على يده ، فجعلها فِي فِيهِ ، فأَحْرَقَتْهُ ، وأوْرثت لِسَانَهُ عُقْدَةٌ ، وموسى عليه السلام إنما طلب مِنْ حَلِّ العُقْدَة قدراً يُفْقَهُ معه قولُه ، فجائز أَنْ تكون تِلْكَ العقدةُ قد زَالَتْ كُلُّها ، وجائِزٌ أَن يكون قَدْ بَقِيَ منها القَلِيلُ ، فيجتمع أن يؤتى هو سُؤْلَهُ ، وأنْ يقولَ فِرْعَون : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [ الزخرف : 52 ] . ولو فرضنا زوالَ العُقْدة جملة ، لكانَ قولُ فِرْعَون سَبّاً لمُوسَى بحالته القَدِيمةَ . وَالوَزِير : المُعِين القَائِمُ بوزر الأُمورِ , وهو ثِقَلها فيحتمل الكَلاَمُ أَنَّ طلبَ الوَزِير من أَهْلِهِ على الجملة ثم أَبْدَل هَـٰرونَ من الوزير المَطْلُوب ، ويحتمل أنْ يريدَ : وٱجْعل هَـٰرُونَ وَزِيراً ، فيكون مفعولاً أَوّلاً لـ { ٱجْعل } ، وكان هَـٰرُونَ عليه السلام أكْبر من موسَىٰ عليه السلام بأرْبع سنين ، والأَزْرُ : الظهرُ ؛ قاله أَبُو عُبَيْدةَ . وقوله : { كَثِيراً } نعتٌ لمصدرٍ مَحْذُوفٍ ، أيْ : تسبيحاً كثيراً .