Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 37-46)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ * إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } قيل : هو وَحْي إلهام ، وقِيلَ : بملك ، وقِيلَ : برؤْيَا رَأَتْهَا ، وكان مِنْ قصة موسى عليه السلام فيما رُوي أن فرعون ذُكرَ له أَنَّ خرابَ مُلْكِه يكونُ عَلَى يد غُلاَمٍ من بَنِي إسرائيل ؛ فأَمر بِقَتْلِ كُلِّ مَوْلُودٍ يولَدُ لبني إسرائيل ، ثم إنه رَأَى مع أَهْل مملكته : أَنَّ فناء بني إسرائيل يعودُ على القِبْطِ بالضَرَرِ ؛ إذْ هم كانوا عَمَلَةَ الأَرْضِ ، والصناع ، ونحو هذا ؛ فعزم على أَنْ يقتُلَ الوِلْدَانَ سنةً ، ويَسْتَحْيِيَهُم سنةً ، فولد هَـٰرونُ عليه السلام في سَنَةِ الاِسْتِحْيَاءِ ، ثم ولد مُوسَىٰ عليه السلام في العام الرابع سَنَةَ القَتْلِ ، فخافت عليه أُمُّه ؛ فأَوْحَىٰ اللَّه إلَيْها : { أنْ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } فأخذَت تابُوتاً فقذفَتْ فيه مُوسَىٰ راقِداً في فِرَاشٍ ، ثم قذفتْهُ في يَمِّ النيل ، وكان فرعون جَالِساً في مَوْضِع يُشْرِفُ منه على النِّيلِ إذْ رَأَى التَّابُوتَ فأمَر به ، فسِيقَ إليه ، وٱمرأته معه ، ففُتِحَ فرأَوْهُ فَرَحِمتْهُ ٱمرأَتُه ؛ وطلبتْهُ لتتَّخذَهُ ٱبناً ، فأباح لها ذلك ، ثم إنَّها عرضَتْهُ للرِّضَاعِ ، فلم يقبلِ ٱمرأَةٌ فجعلت تنادي عليه في المدينة , ويُطافُ به يُعْرَضُ للمَرَاضِعِ , فكلما عُرِضَتْ عليه امرأةٌ أَباهَا ، وكانت أمه قالَتْ لأُخْتِه : { قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ } [ القصص : 11 ] وفهمت أمره ، فقالت لهم : أنا أدلُّكم على أهْل بيت يَكْفلُونه لَكُمْ ، وهم له نَاصِحُون ، فتعلَّقُوا بِهَا ، وقالوا : أنْتِ تَعْرِفينَ هذا الصبيَّ ، فأنْكَرتْ ، وقَالَتْ : لاَ ، غَيْرَ أَني أَعْلم مِنْ أهْل هذا البيْتِ الحِرْصَ على التقرُّبِ إلى المملكةِ ، والجدّ في خِدْمتها ، ورِضَاهَا ، فتَرَكُوها وسَأَلُوها الدَّلاَلة ، فجاءت بِأُمِّ مُوسَى ، فلما قَرَّبَتْهُ ، شَرِبَ ثَدْيَهَا ، فسُرّت بذلك آسِيَةُ ٱمرأةُ فِرْعون رضي اللَّه عنها وقالت لها : كُونِي مَعِي في القَصْرِ ، فقالت لها : ما كُنْتُ لأَدَعَ بيتي وَوَلَدِي ، ولكنه يِكُون عِنْدِي ، فقالت : نعم ، فأَحسنت إلى أَهْل ذلك البيت غَايَةَ الإحْسَانِ ، واعتزَّ بنو إسْرَائِيل بهذا الرِّضاعِ ، والسبب من المَمْلَكَةِ , وأقام موسى عليه السلام حتى كَمَلَ رضاعُه ، فأرْسَلت إليها آسية : أنْ جِيئِني بولدي لِيَوْمِ كذا ، وأمَرتْ خَدَمَها ، ومَنْ مَعَها أنْ يلقينه بالتحَفِ ، والهَدَايا ، واللّباس ؛ فوصل إليها علىٰ ذلك ، وهو بخيرِ حَالٍ وأجْمَل ثياب ، فسُرّت بِهِ ، ودخَلتْ به عَلَى فِرْعَوْن ؟ ليراه وَيَهَبَ لَهُ فرآه وأعْجَبه ، وقرَّبَهُ فأخذ موسى عليه السلام بلِحْيَةِ فرعون ، وجَبَذَهَا ، فاسْتَشَاطَ فرعونُ ، وقال : هذا عَدُوٌّ لي ، وأمَر بذبْحِهِ ، فَنَاشَدَتْهُ فيه ٱمرَأَتُه ، وقالَتْ : إنه لاَ يَعْقِلُ ، فقال فِرْعَونُ : بل يَعْقِلُ ، فاتَّفَقَا عَلَى تَجْرِيبه بالجمْرَةِ والياقُوتِ ؛ حَسَبَ ما تقدَّمَ ، فنجاه اللَّهُ من فرعون ورَجَعَ إلى أُمِّه ، فَشَبَّ عندها ، فَٱعْتَزَّ به بنو إسْرَائِيل إلى أن تَرَعْرَعَ ، وكان فَتًى جَلداً فَاضِلاً كَامِلاً ، فاعتزت به بنو إسرائيل بظاهر ذلك الرِّضاع ، وكان يحميهم ، ويكون ضِلعَهُ مَعهم ، وهو يَعْلَمُ مِنْ نفسه أنه مِنْهُم ، ومِنْ صَمِيمِهم ، فكانت بصيرته في حمايتهم أكِيدة ، وكان يَعْرِفُ ذلك أَعيانُ بني إسْرَائِيل ، ثم وقعت له قِصَّةُ القِبْطِيِّ المتقاتل مع الإسرائيلي على ما سيأتي إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالى ، وعدد اللَه سبحانه عَلَىٰ موسى في هذه الآية ما تضمنته هذه القِصَّة : مِنْ لُطْفه سُبْحَانه به في كُلِّ فَصْل ، وتخليصه من قِصَّةٍ إلَى أُخْرَىٰ ، وهذه الفُتُون التي فتنه بها ، أيْ : اختبره بها ، وخلَّصَهُ حتى صلح لِلنّبوّةِ ، وسلم لها . وقوله { مَا يُوحَىٰ } إبهامٌ يتضمن عِظَمَ الأَمْر وَجَلالَتِه وهذا كَقَوْلِهِ تعالى : { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } [ النجم : 16 ] { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] . وهو كثيرٌ في القرآن ، والكلام الفصيح . وقوله : { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ } خبرٌ خرج في صِيغَةِ الأَمر مُبالغةً ؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ " فأخرج الخبر في صِيغَة الأمْرِ لنفسه ، مُبَالغةً ، وهذا كَثِيرٌ ، والمرادُ بالعدُوِّ في الآية : فرعونُ ثم أخبر تعالى مُوسَى عليه السلام أَنه ألْقى عليه مَحَبَّةً منه . قالت فِرقةٌ : أَرَادَ القَبُولَ الذي يضعه اللَّهُ في الأرضِ لِخَيارِ عِبَادِه ، وكان حَظُّ مُوسَىٰ منه في غاية الوَفْرِ ؛ وهذا أقْوَىٰ ما قِيلَ هنا مِنَ الأقوال . وقرأَ الجُمْهورُ : « ولِتُصْنَعَ » بكسر اللام ، وضم التاء ؛ على مَعْنَىٰ : ولِتُغْذى ، وتُطْعم ، وتربى . وقوله : { عَلَىٰ عَيْنِي } معناه : بمرأَىٰ مِنِّي . وقوله : { عَلَىٰ قَدَرٍ } أيْ : لميقاتٍ محدُودٍ للنبوَّءة التي قد أرادها اللَّهُ تعالى ، { وَٱصْطَنَعْتُكَ } : معناه جعلْتُك مَوْضِعَ الصَّنِيعة ومقر الإجْمال والإحْسَان . وقوله : { لِنَفْسِي } إضَافة تَشْرِيف ؛ وهذا كما تقولُ : بيتُ اللَّهِ ، ونحوه : « والصِّيَامُ لِي » وعبَّر بالنَّفْسِ عن شِدَّة القرب وقوة الاخْتِصَاص . وقوله تعالى { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } معناه : لا تُبْطِئَا وتضعفا ؛ تقولُ : وَنَى فلانٌ في كذا ، إذا تَبَاطَأَ فيه عن ضَعْفٍ ، والوَنْيُ : الكَلاَلُ ، والفَشَلُ في البَهَائِم والإنْسِ . وفي مُصْحَفِ ابن مَسْعُودٍ : « ولاَ تَهِنَا فِي ذِكْرَي » معناه : لاَ تَلِينَا ؛ مِنْ قَوْلِك : هَيِّنٌ لَيِّنٌ . { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً } أيْ : حَسِّنا لَهُ الكلمة مع إكْمَالِ الدَّعْوة . قال ٱبْنُ العَرَبِي في « أحْكَامِهِ » : وفي الآية دَلِيلٌ على جواز الأَمْر بالمعرُوفِ ، والنهي عن المنكر بالليِّن لمن معه القُوَّة ، وفي الإسرائيليات : أَنَّ مُوسَى عليه السلام أَقامَ بباب فِرْعَوْن سنةً لا يجد مَنْ يبلغ كَلاَمَهُ حَتَّى لقيه حِينَ خَرَج ، فجرى له ما قَصَّ اللَّهُ تعالى عَلَيْنَا من خَبَرِه ؛ وكان ذلك تَسْلِيةً لمن جاء بعده مِنَ المؤْمِنِينَ في سِيرَتهم مع الظَّالِمِينَ . انتهى . وقولهما : { إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ } معناه : يعجل ، ويتسرع إلينا بمكروه . وقوله عز وجل { إنَّنِي مَعَكُمَا } أيْ بالنَّصْر والمعُونَةِ .