Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 9-14)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدىً } هذا الاِسْتفهام توقيفٌ مضمنه : تَنْبِيه النفس إلى ٱسْتماع ما يورد عليها ، وهذا كما تبدَأُ الرجل إذا أَردْتَ إخْبَارَه بأَمْرٍ غَرِيبٍ ؛ فتقول : أعلمْتَ كذا ، وكذا ، ثم تبدأ تخبره . وكان من قصّة مُوسَىٰ - عليه السلام - أنه رحل من مَدْيَن بأهله بِنْت شُعَيْب - عليه السلام - وهو يريدُ أَرض مِصْر ، وقد طالت مُدَّة جِنَايته هُنَالِكَ ، فَرَجَا خَفَاءَ أمْره ، وكان فيما يزعمون رَجُلاً غَيُوراً ، فكان يَسِيرُ الليلَ بأهْلِهِ ، وَلاَ يَسِيرُ بالنهار مخافةَ كشفة الناسِ ، فَضَلَّ عن طريقه في لَيْلَةٍ مُظْلمة ، فبينما هو كذلك ، وقد قَدَحَ بزنده ، فلم يُورِ شَيْئاً { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ } ، أيْ : أقِيموا ، وذهب هو إلى النار ، فإذا هي مُضْطَرِمةٌ في شَجَرةٍ خَضْرَاءَ يانِعةٍ ، قيل : كانت من عُنَّابٍ ، وقِيلَ : من عَوْسَج ، وقِيلَ : من عُلَّيْقٍ ، فكلَّما دَنَا مِنْها ، تباعَدَتْ منه ، ومَشَتْ فإذا رجع عنها اتَّبعَتْهُ ، فلما رأَى ذَلِكَ أَيقنَ أَنَّ هذا مِنْ أُمُورِ اللّه الخَارِقَةِ للعادة ، ونُودِي ، وٱنْقَضَىٰ أَمْرُه كُلّه في تلك الليلة ؛ هذا قول الجُمْهُورِ ، وهو الحقُّ ، وما حُكِيَ عن ابنِ عباسٍ : أنَّه قال : أَقامَ في ذلك الأَمْرِ حَوْلاً ، فغيرُ صَحِيحٍ عن ابن عباس . و { آنَسْتُ } : معناه : أَحْسَسْتُ ، والقَبَسُ : الجذْوةُ من النار ، تكون على رَأْس العُودِ . والهُدَى : أراد هُدَى الطريقِ ، أَيْ : لعلي أَجِدُ مرشداً لي ، أوْ دليلاً . وفي قِصَّة مُوسَىٰ بأسْرها في هذه السورة تسْلِيةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم عما لَقِيَ في تَبْلِيغه من المَشَقَّاتِ صلى الله عليه وسلم والضميرُ في قوله : { أتَاهَا } : عائِدٌ على النار . وقوله : « نُودي » : كنايةٌ عن تَكْلِيم اللّه تعالى له ( عليه السلام ) . وقرأَ نَافِعٌ وغيرُه : إنِّي ـــ بكسر الهمزة ـــ على الابْتداءِ ، وقرأَ أَبُو عَمْرو ، وٱبْنُ كَثِير : « أَنِّي » ـــ بفتحها ـــ على معنى : لأَجل أَنِّي أَنا رَبُّك ، فَاخْلَعْ نعليك . واخْتُلِفَ في السبب الذي مِنْ أَجْله أُمِرَ بخلْعِ النعلين : فقالتْ فِرْقَةٌ : كَانَتَا من جِلْد حَمِارٍ مَيِّتٍ ، فأُمِرَ بِطَرْحِ النَّجَاسَةِ . وقالت فرقةٌ : بل كَانَتْ نَعْلاَهُ مِنْ جِلْدِ بقَرَةٍ ذَكِيّ ؛ لكن أُمِر بخلعهما لينَالَ بركَةَ الوَادِي المُقدَّسِ ، وتمَسَّ قَدَماهُ تُرْبَةَ الوَادِي . قال * ع * : وتحتمل الآيةُ مَعْنًى آخَرَ ، هو الأَليقُ بها عِنْدِي ؛ وهو : أَن اللّه تعالى أمرَه أنْ يتأدَّبَ ، ويتَوَاضَعَ ؛ لعظم الحَالِ الَّتي حَصَلَ فيها ، والعُرْف عِنْد المُلُوكِ : أَنْ تُخلَعَ النَّعْلاَنِ ، ويبلغُ الإنْسان إلَى غاية تَوَاضُعِهِ ، فكأَنَّ مُوسَىٰ - عليه السلام - أُمِر بذلك عَلَى هذا الوجه ، وَلاَ نُبَالِي كيفَ كَانَتْ نَعْلاَهُ من ميتة أوْ غيرها . و { ٱلْمُقَدَّسِ } : معناه المطهَّرُ ، و { طُوىً } : معناه مَرَّتَيْنِ . فقالت فرقةٌ : معناه قُدِّسَ مرتيْنِ ، وقالت فِرْقةٌ : معناه طُوِيَتْ لك الأَرْضُ مَرَّتَيْنِ من ظنك . قال الفَخْرُ : وقِيلَ : إنَّ طُوًى ٱسْم وادٍ بالشام ، وهو عند الطُّورِ الذي أَقْسم اللّه به في القرآن . وقيل : إنَّ { طُوىً } بمعنى : يَا رَجُلُ ، بالعَبْرَانِيَّةِ ، كأنه قِيلَ : يا رجل ٱذْهَبْ إلَى فِرْعون . انتهى . « من تفسيره لسورة والنازعات » . قال * ع * : وحدثني أَبِي - رحمه اللّه - قال : سمعت أَبا الفضل بْنَ الجوهري - رحمه اللّه تعالى - يقول : لما قِيل لموسى : استمع لما يُوحَىٰ ، وقف على حَجَرٍ ، واستند إلَى حَجَرٍ ، ووضع يَمِينه عَلَى شِمَالِه وأَلْقى ذَقَنَهُ على صَدْرِه ، ووقف يستمع ، وكان كُلُّ لباسه صُوفاً . وقوله تعالى : { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِي } : يحتمل أن يريدَ : لِتَذْكُرَنِي فيها ، أوْ يريد : لأَذْكركَ في عِلِّيَينَ بها ، فالمصدرُ محتمل الإضافة إلى الفَاعِل ، أَوِ المفعول . وقالت فِرْقةٌ : معنى قولهِ { لِذِكْرِي } أيْ : عند ذِكْرى ، أَيْ : إذا ذكرتني ، وأمري لك بها . * ت * : وفي الحديث عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ نَسِيَ صَلاَةً ، فَلُيصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ؛ فَإنَّ ذَلِكَ وَقْتَهَا ؛ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { أقِمِ الصَّلَوٰةَ لِذِكْرَي } " انتهى . فقد بيَّن له صلى الله عليه وسلم ما تحتمله الآيةُ ، واللّهُ الموفِّقُ بفضله ؛ وهكذا استدل ابنُ العربي هنا بالحديثِ ، ولفظه : وقد رَوَى مَالَكٌ وغيرُه : أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أوْ نسِيَهَا ، فَلْيُصَلِّها إذَا ذَكَرَهَا ؛ فَإنَّ اللّهَ تَعَالَىٰ يَقُولُ : { أَقِمِ الصَّلَوٰةَ لِذِكْرَي } " انتهى . من « الأحكام » . وقرأت فرقةٌ : « لِلذِّكْرَىٰ » ، وقرأتْ فرقةٌ : « لِلذِّكْرِ » ، وقرأتْ فرقةٌ : « لِذِكْرَى » بغيرِ تعرِيف .