Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 83-98)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقولهُ سبحانه : { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } الآيةَ ، وقصص هذه الآية : أَن موسى عليه السلام لمَّا شرع في النهوض ببني إسرائيل إلى جانب الطور ؛ حيث كان الموعدُ أن يكلم اللّهُ موسىٰ بما لهم فيه شرفُ العاجل والآجل ـــ رأَىٰ موسى عليه السلام على جهة الاجْتِهَاد أن يتقدم وحدَهُ مُبادراً لأمر اللّه سبحانه ؛ طلباً لرضائه ، وحرصاً على القرب منه ، وشوقاً إلى مُناجاته ، وٱستخلف عليهم هارونَ ، وقال لهم موسى : تسيرون إلى جانب الطور ، فلما ٱنتهى موسى صلى الله عليه وسلم وناجى ربَّه ، زاده اللّهُ في الأجل عشراً ، وحينئذٍ وقفه على معنى ٱستعجاله دون القوم ؛ ليخبره موسى أنهم على الأثر ، فيقَعَ الإعلامُ له بما صنعوا ، وأعلمه موسى أنه إنما ٱستعجل طلب الرضى ، فأعلمه اللّهُ سبحانه : أنه قد فتن بني إسرائيل ، أي : ٱختبرهم بما صنع السَّامِرِيّ ، ويحتمل أن يريد : ألقيناهم في فتنة ، فلما أخبر اللّه تعالى مُوسَى بما وقع ، رجع موسىٰ إلى قومه غَضْبَانَ أَسِفَا ، وباقي الآية بيّن ، وقد تقدّم قصصُها مستوفًى ؛ وسمّى العذاب غضباً من حيْثُ هو عن الغضب . وقرأ نافعٌ ، وعَاصِمٌ : « بِمَلْكِنَا » بفتح الميم ، وقرأ حمزةُ الكِسَائِيُّ : « بِمُلْكنا » بضمة ، وقرأ ٱبْنُ كَثِير ، وأَبُو عَمْرٍ ، وَٱبْنُ عَامرٍ : « بِمِلْكِنَا » بكسرة ؛ فأما فتحُ الميم ، فهو مصدرٌ من ملك ، والمعنى : ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ، ولا وُفِّقْنا له ، بل غلبتنا أنفُسُنا . وأَما كسرُ المِيم ، فقد كثر ٱستعماله فيما تحوزه اليدُ ، ولكنه يستعمل في الأمور الَّتي يُبْرمها الإِنسان ، ومعناها كمعنى التي قبلها ، والمصدرُ مضافٌ في الوجهين إلى الفاعل . وقولهم : { وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً … } الآية ؛ سموها أوزاراً من حيث هي ثَقِيلة الأجرام ، أو من حيثُ تأَثَّموا في قذفها ، وقرأ أبو عمرو ، وحمزةُ ، والكسائيُّ : « حَمَلْنَا » بفتح الحاء ، والميم . وقولهم : { فَكَذَلِكَ } أيْ : فكما قذفنا نحن ، فكذلك أيضاً ألقى السامري . قال * ع * : وهذه الألفاظُ تقتضى أنَّ العِجْل لم يَصُغْهُ ، ثم أخبر تعالى عن فِعْل السامري بقوله : { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً } ومعنى قوله { جَسَداً } أَي شخصاً لا رُوحَ فيه ، وقيل معناه ، جسداً لا يتغذى ، « والخُوَارُ » : صوت البقر . قالت فرقةٌ منهم ٱبن عباس : كان هذا العجلُ يخُورُ ويمشي ، وقيل غير هذا . وقوله سبحانه : { فَقَالُوا } يعني : بني إسرائيل : { هَذَا إلَٰهُكُمْ وَإلٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } موسى إلٰهه ، وذهب يطلبه في غَيْرِ موضعِه ، ويحتمل أن يكون قوله { فَنَسِيَ } إخباراً من اللّه تعالى عن السَّامِرِيُّ ؛ أي : فنسي السامري دينه ، وطريق الحق ، فالنِّسْيَانُ في التأوِيل الأول بمعنى الذهُول ، وفي الثَّانِي بمعنى الترك . * ت * : وعلى التّأويل الأول عوَّلَ البخاريُّ : وهو الظَّاهر . ولقولهم أيضاً قبل ذلك : { ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهاً } [ الأعراف : 138 ] . وقول هَارُون : { فَٱتَّبِعُونِي } أي : إلى الطور الَّذي واعدكم اللّهُ تعالى إليه { وَأَطِيعُوا أَمْرِي } فيما ذكرتُه لكم ؛ فقال بنو إسرائيل حين وَعَظهم هارونُ ، وندبَهُم إلى الحق : { لَنْ نَبْرَحَ } عابدين لهذا الإلَه عَاكِفِين عليه ، أي : مُلاَزِمين له . ويحتمل قولُه : { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } أَيْ : ببني إسرائيل نحو جبل الطور ، ويحتمل قولُهُ : { أَلاَّ تَتَّبِعنِ } أيْ : أَلاّ تسير بسيري ، وعلى طريقتي في الإصلاح والتَّسْدِيد . وقوله : { يبنؤم } قالت فرقة : إنَّ هَارُونَ لم يكن أَخا موسى إلا مِنْ أُمه . قال * ع * : وهذا ضَعِيفٌ . وقالتْ فرقةٌ : كان شَقِيقَه ؛ وإنما دعاه بالأَم ٱستعطافاً برحم الأم ، وقول موسى : { فَمَا خَطْبُكَ يَٰسَـٰمِرِيُّ } هو كما تقول : ما شأْنُكَ ، وما أمرك ، لكن لفظةُ الخطب تقتضى ٱنتهاراً ؛ لأن الخطب مستعمل في المكاره ، و { بَصُرْتُ } بضم الصاد : من البصيرة ، وقرأتْ فرقةٌ بكسرها ، فيحتمل أن يراد من البصيرة ، ويحتمل من البصر . وقرأ حمزةُ ، والكسائي أي : « بما لم تُبْصروا » بالتاء مِنْ فوقُ ، يريد مُوسى مع بني إسرائيل ، والرسول هنا : هو جِبْرِيلُ عليه السلام والأَثَرُ : هو ترابٌ تحت حافر فرسه . وقوله : { فَنَبَذْتُهَا } أَيْ : على الحلي ، فكان منها ما ترى ، { وكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أي : وكما وقع وحدث قربت لي نفسي ، وجعلت لي سُؤْلاً وإرباً حتى فعلته ، وكان موسى عليه السلام لا يقتل بني إسرائيل إلاَّ في حدٍّ أو بوحْيٍ ، فعاقبه بٱجتهاد نفسه ؛ بأن أبعده ونحَّاه عن الناس ، وأمر بني إسرَائيل بٱجتنابه ، وٱجتناب قبيلته وأَلاَّ يُؤَاكلُوا ولا يُنَاكحوا ، ونحو هذا ، وجعل له أنْ يقول مدة حياته : لاَ مِسَاسَ ، أي : لا مُمَاسَّة ، ولا إذاية . وقرأ الجمهور : « لَنْ تُخْلفَهُ » بفتح اللام ، أي : لن يقع فيه خلف ، وقرأ ٱبنُ كَثِير ، وأبُو عَمْرِو : « تخلِفه » بكسر اللام ، على معنى لن تستطيع الرَّوغَانَ ، والحيْدَةَ عن موعد العذاب ، ثم وبَّخه عليه السلام بقوله : { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ … } الآية ، و { ظَلْتَ } وظل معناه : أقام يفعل الشيء نهاراً ، ولكنها قد تُستعمل في الدائب ليلاً ونهاراً ، بمثابة طَفِقَ . وقرأ ٱبنُ عباس وغيرُه : « لَنَحْرُقَنَّهُ » بضم الراء وفتح النون ؛ بمعنى لنبردنه بالمبرد ، وقرأ نافعٌ وغيره : « لَنُحَرِّقَنَّهُ » وهي قراءةٌ تحتمل الحرق بالنار ، وتحتمل بالمبرد . وفي مصحف ٱبنِ مَسْعُود : « لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه » وهذه القراءةُ هي مع رواية من روى أن العِجْلَ صار لحماً ودماً ، وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرقٌ بنارٍ ، وإلاَّ فإذا كان جماداً مِنْ ذهب ونحوه ، فإنما هو حرق بمبرد ، اللَّهم إلاَّ أَن تكون إذابة ، ويكون النسف مُسْتعاراً ، لتفريقه في اليمِّ مذاباً . وقرأت فِرْقَةٌ : « لَنَنْسِفَنَّهُ » بكسر السين ، وقرأت فرقةٌ بضمها ، والنَّسْفُ : تفريقُ الريح الغبار ، وكل ما هو مثله ؛ كتفريق الغربال ونحوه ، فهو نَسْفٌ ، و { ٱلْيَمِّ } : غمرُ الماءِ من بحرٍ أو نَهْرٍ ، وكل ما غمر الإنسان من الماء فهو يَمٌّ ، واللام في قوله { لَنُحَرِّقََنَّهُ } لام قسم ، وقال مكي ( رحمه اللّه تعالى ) : وأسند أن موسى عليه السلام كان مع السبعين في المُنَاجَات ، وحينئذٍ وقع أمر العجل ، وأن اللّه تعالى أعلم موسى بذلك ، فكتمه موسى عنهم ، وجاء بهم حتى سمعوا لَغَطَ بني إسرائيل حول العجل ، فحينَئذٍ أعلمهم . قال * ع * : وهذه رواية ضعيفةٌ ، والجمهورُ على خلافها ، وإنما تعجل موسى عليه السلام وحدَهُ فوقع أمر العجل ، ثم جاء موسى ، وصنع ما صنع بالعجل ، ثم خرج بعد ذلك بالسَّبْعِين على معنى الشفاعة في ذَنْب بني إسرائيل ، وأن يطلعهم أيضاً على أمر المناجات ، فكان لموسى عليه السلام نهضتان ، واللّه أعلم .